هل تركب ألمانيا قارب النجاة الأوراسي؟
هناك اعتقاد يتعاظم لدى الكتاب والمحللين بإمكانية الاستفادة الروسية من تشكيلة القوى السياسية الجديدة في ألمانيا. فحتى لو أعيد انتخاب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لولاية جديدة، فإنها ستضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة، وقد تكون مؤلمة، خصوصاً في سياستها تجاه روسيا.
اتسم النظام السياسي في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بمقدار معين من الاستقرار: على المستوى الاتحادي، تم تقسيم السلطة بين «الحزب الديمقراطي الاشتراكي- SPD»، و«الحزب الديمقراطي المسيحي- CDU»، و«الحزب الديمقراطي الحر». ومع ذلك، فقد يبدو هذا الاستقرار مهدداً في الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2017. والسبب المعلن في ذلك هو سياسة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، حيال مسألة اللاجئين.
لمحة عامة عن المشهد السياسي الألماني
ينظر إلى الانتخابات الأخيرة في البرلمانات الإقليمية- والتي عقدت في خمسة ولايات من أصل 16 ولاية ألمانية- باعتبارها «بروفة» للانتخابات الاتحادية في عام 2017. ونتيجة لذلك، تبدو الاتجاهات مخيبة للآمال. فموقف «حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي» بزعامة ميركل يبدو ضعيفاً إلى حد كبير، في حين فاز الحزب المشكل حديثاً- والمعادي للمهاجرين- «حزب البديل لألمانيا- AFD» بمقاعد في المجالس التشريعية الخمسة كلها، وحصل على 20% من المقاعد في ولاية مكلنبورغ غرب بوميرانيا، في حين خسر «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» أيضاَ بعض الأصوات بالمقارنة مع الانتخابات السابقة.
تمثل نتائج الانتخابات الإقليمية فرصة للتوصل إلى نتائج معينة. فمن الواضح، أن سياسة ميركل في مسألة اللاجئين، قد أدت (ويبدو أنه بشكلٍ مفتعل) إلى تنامي المشاعر اليمينية في ألمانيا، وليس فقط في الولايات «الجديدة»، ولكن أيضاً في تلك الولايات «القديمة» في ألمانيا الغربية، التي كانت تعتبر أكثر «تسامحاً وديمقراطية».
القوى السياسية جميعها التي تسعى للفوز في الانتخابات- بما فيها الائتلاف الحاكم- من غير المحتمل حالياً أن تحصل على دعم أكثر من 50% من الناخبين. وعلاوة على ذلك، فإن «الحزب الديمقراطي الاجتماعي- SPD» ليس مهتماً في إعادة تأسيس ائتلاف مع حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» في المستقبل، لأن وجوده كجزء من التحالف مع الحزب سيجعله يخسر صورته السياسية، كما أن ذلك يعاكس برنامجه في حملته الخاصة الواضحة لناخبيه.
وعلى الرغم من أنه من المرجح أن يحصل «حزب البديل لألمانيا- AFD» على نتائج جيدة في انتخابات البرلمان في عام 2017، فإنه لا يزال منبوذاً لأن الأطراف الأخرى لا ترغب- بحكم التجربة التاريخية الألمانية- في تشكيل حكومة ائتلاف مع اليمين الشعبوي. لذلك فإن السيناريو المرجح هو قيام ائتلاف بين «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» واليسار الألماني، و«جماعة الخضر». وقد يكون مثل هذا التحالف شيئاً جديداً في تاريخ العمل البرلماني الألماني على المستوى الاتحادي، ولكن هناك سابقة في أحد الأقاليم بوجود مثل هذا التحالف، وهو يعمل بنجاح في تورينجيا منذ العام 2014.
الآثار المترتبة على روسيا
هذه التحولات التكتونية حقاً في المشهد السياسي الألماني لها نتائج معينة بالنسبة لروسيا. وربما لا يرغب الكرملين في أن تصبح ميركل مستشارة للمرة الرابعة على التوالي، وليس سراً أنه ينظر إلى السياسات التي تتبعها على أنها العقبة الرئيسية أمام رفع عقوبات الاتحاد الأوروبي عن روسيا، بغض النظر عن «سمعتها» المرتبطة بـ«المعايير الأخلاقية العالية واحترام القانون الدولي».
إن السيناريو الأكثر إيجابية لروسيا هو أن يتشكل الائتلاف المذكور سابقاً في البرلمان الجديد. فأثناء وجوده في السلطة، أظهر «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» (بغض النظر عن تقييم مدى جذرية مواقفه الإيديولوجية) موقفاً أكثر وداً وأكثر واقعية تجاه روسيا. وفي الوقت نفسه، هم على استعداد لتنفيذ سياسة خارجية أكثر استقلالية.
مثال توضيحي على ذلك هو سياسة «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» مع المستشار جيرهارد شرودر. خلال فترة ولايته، رفضت ألمانيا المشاركة في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق، ونمت التجارة الروسية الألمانية.
وبالإضافة إلى ذلك، يعارض «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» (خاصة الجناح الأيسر من الحزب)، إنشاء منطقة تجارة حرة متقدمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (اتفاق التجارة والاستثمار عبر الأطلسي- TTIP) وهذا ما يتفق مع مصالح روسيا، التي ليست على استعداد لقبول نظام تجاري مغلق على عتباتها.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» يعمل حالياً كوسيط في العلاقات مع روسيا، وهو الذي يمثل رجال الأعمال الألمان الساخطين على العقوبات ضد روسيا. وقد أظهرت دراسة من الاقتصاديين الألمان أن الصادرات الألمانية إلى روسيا تراجعت، وفقدت الصناعة الألمانية 54 مليار دولار بين عامي 2014- 2015، كما انخفض عدد الشركات الألمانية العاملة في روسيا من 6000 إلى أكثر من 5500.
وأخيراً، فإن «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» يمكن أن يستفيد من هذا الموضوع حول روسيا في حملته الانتخابية. ففي الواقع، وبسبب العقوبات ضد روسيا، خسر الاقتصاد الألماني 60000 فرصة عمل، وأكثر من 70% من الألمان يؤيدون رفع كامل أو جزئي على الأقل للعقوبات. إن وجود ائتلاف محتمل من «اليسار» يعزز اللهجة الودية مع روسيا هو الأساس لتكون الحكومة الألمانية متوازنة. ورغم ذلك فموقف «حزب الخضر» بخصوص روسيا لا يكاد يختلف عن حزب ميركل.
في الحالتين: على ألمانيا أن تنعطف
لا يمكن للمرء إلا أن يستبعد إمكانية احتفاظ أنجيلا ميركل بمنصب المستشارية. والأغلب أنه سيتم إعلان ميركل مرشحة عن كتلة «حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي- CSU» في مؤتمر الحزب في كانون الأول لعام 2016. وحتى الآن، يعتبر هذا من المؤكد، لأنها تحظى بدعم غير مشروط من حزبها.
ومع ذلك، فمن الواضح أن حزبها لن يكون قادراً على تكرار نجاحه في الانتخابات الاتحادية. وفي ضوء رفض «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» تشكيل حكومة جديدة مع «الحزب الديمقراطي المسيحي»، فمن المرجح أن يتم التحالف مع حزبين في آن واحد للحصول على الأغلبية في البرلمان الألماني وهما «الحزب الديمقراطي الحر» و«حزب الخضر».
لعله من الصعب جداً التخمين من الذي سوف ينجح في تشكيل الائتلاف الحاكم المقبل، ومن سيكون المستشار المقبل. الشيء الواضح الوحيد أنه في حالة إعادة انتخابها، فستضطر إنجيلا ميركل لتقديم تنازلات كبيرة. والعقوبات ضد روسيا في الاتحاد الأوروبي على وشك أن ترفع أو أن يجري تخفيفها بشكل كبير في المجال الاقتصادي.
وعلى أية حال، فالأولوية بالنسبة للحكومة الروسية في علاقاتها مع ألمانيا، ليست هي رفع العقوبات الاقتصادية بحد ذاتها، ولكن إنشاء تحالف اقتصادي مع جارتها الأوروبية لتطوير الاقتصادين معاً.