أسعار تذاكر مترو الأنفاق... وخصخصة النقل العام في مصر
يعيش في القاهرة الكبري أكثر من 19 مليون نسمة أي ما يوازي خُمس سكّان مصر، وتسهم هذه المنطقة بشكّل كبير في الاقتصاد المصري من حيث الناتج المحلّي وفرص العمل. ومن المتوقّع أن تشهد زيادة إضافية في عدد السكّان الذي قد يصل إلى 24 مليون نسمة بحلول العام 2027 ، وفي المقابل ستزيد أيضا أهمّيتها بالنسبة لاقتصاد البلاد.
وقد أثير خلال الأسابيع الماضية جدل واسع حول أسعار تذاكر مترو أنفاق القاهرة والذي تعتزم الحكومة رفعها بدعوي تغطية خسائر المترو. وركز غالبية المعلقين علي موضوع سعر التذاكر والأسعار العالمية ولم يتطرق أياً منهم لأوضاع النقل العام في مصر بشكل عام كإطار أوسع لما يتم من تخريب لمرافق المواصلات العامة من ناحية واختناقات مرورية وخسائر اقتصادية كبيرة من ناحية أخري.
النقل في مصر
اتجهت الحكومة منذ سنوات إلي القطاع الخاص وأهملت تجديد وتطوير شبكات النقل العام الحكومي حتى وصلت الأوضاع لحالة مزرية. فقد أدت هذه السياسات إلي زيادة اعتماد الأفراد علي أنفسهم في النقل أو الانتقال بوسائل المواصلات الخاصة.
أرتفع عدد السيارات الخاصة المرخصة من 1.6 مليون سيارة عام 2004 إلي 3.5 مليون سيارة عام 2013.
أرتفع عدد الموتوسيكلات من 564.2 ألف موتوسيكل عام 2004 إلي 1.8 مليون موتوسيكل عام 2013.
ارتفع عدد الأتوبيسات الخاصة من 24.9 ألف أتوبيس عام 2004 إلي 36.9 ألف أتوبيس عام 2013،
أرتفع عدد سيارات الأجرة من 315.3 ألف سيارة عام 2004 إلي 318.7 ألف سيارة عام 2013،
أرتفع عدد الأتوبيسات العامة في مصر من 14.3 ألف أتوبيس عام 2014 إلي 16.4 ألف أتوبيس عام 2013. وتقول بيانات هيئة النقل العام في القاهرة أن الهيئة تملك 3,029 أتوبيس و 954 سيارة ميني باص وتنقل 3.5 مليون راكب يومياً. أي أن النقل العام بكل مشاكله ينقل أكثر من 1.3 مليار راكب سنوياً.
ولأن الدولة لا تهتم بالزراعة فقد انخفض عدد الجرارات الزراعية المرخصة من 23.2 ألف جرار إلي 16.9 ألف جرار خلال نفس الفترة.
في المقابل نجد أداء مختلف في النقل بالسكك الحديدية علي مستويات مختلفة :
نشاط نقل الركاب انخفض عدد القطارات من 452 ألف قطار عام 2000 إلي 389 ألف قطار عام 2011/2012 رغم زيادة عدد الجرارات من 471 جرار إلي 808 جرار. وانخفض عدد الركاب السنوي من 424 مليون راكب إلي 310.9 مليون راكب. وهو ما يعكس اضطرار أكثر من 114 مليون راكب لاستخدام وسائل النقل الأخرى للبعد عن مشاكل النقل بالسكك الحديدية.
نشاط نقل البضائع حيث انخفض نقل البضائع بالسكك الحديدية من 4.198 مليون طن/كيلو متر إلي 1,398 مليون طن/كيلو متر وانخفض عدد القطارات الشغالة من 20.7 ألف قطار إلي 7.9 ألف قطار. وتحول نقل البضائع الي الطرق البرية بما شكل عبئ إضافي علي الطرق وزيادة في عدد الحوادث ورفع معدل استهلاك الطرق.
نشاط مترو الإنفاق حيث ارتفع عدد الوحدات من 148 إلي 243 وحدة وارتفع عدد الركاب الذين تم نقلهم خلال هذه الفترة من 676.8 مليون راكب إلي 818.4 مليون راكب . ( الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – الكتاب الإحصائي السنوي 2014 – الباب الثامن النقل والمواصلات)
تكلفة التحول من النقل العام إلي الخاص
تقول الإحصاءات الرسمية أن عدد حوادث الطرق انخفض من 25.9 ألف حادث سنة 2000 إلي 15.5 ألف حادث سنة 2012 .وارتفع عدد المتوفين من 5.7 ألف متوفي إلي 6.4 ألف متوفى. كما ارتفع عدد السيارات التالفة من 17.4 ألف سيارة إلي 21.4 ألف سيارة. (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – كتاب مصر في أرقام 2014 –النقل)
قال الدكتور مجدي بكر، ممثل منظمة الصحة العالمية، إن مصر تعد من أسوأ 10 دول في حوادث الطرق على مستوى العالم، إذ يبلغ عدد ضحايا الحوادث 12 ألف قتيل سنويًا بمعدل قتيل و4 مصابين وحادثتين في الساعة الواحدة، مشيرا إلى أن منظمة الصحة العالمية أعدت مشروع توعية لتقليل حوادث الطرق بعشر دول من ضمنها مصر. وكشفت الإحصاءات أن طريق أسيوط– المنيا هو الأعلى في مستوى الحوادث، يليه طريق الشرقية، ثم القليوبية، بينما جاء طريق الإسكندرية الأقل من حيث عدد الحوادث.(الوفد - "الصحة العالمية": قتيل و4 مصابين كل ساعة في مصر بسبب حوادث الطرق – 20/9/2012 )
كما جاءت نتائج تقرير منظمة الصحة العالمية عن حوادث المرور ليؤكد احتلال مصر النسبة الأعلى في وفيات حوادث الطرق على مستوى العالم بمعدل 41.6 لكل مائة ألف نسمة طبقا لدراسة استقصائية أعدتها منظمة الصحة العالمية تم البدء فيها منذ عام 2012 وانتهت في 2014 وشملت 178 بلدا، وهى أول دراسة دولية من نوعها عن وفيات الطرق تجريها المنظمة. تمت الإشارة إلى معدلات وفيات حوادث الطرق لكل 100 ألف نسمة حسب الدراسة وجاء المتوسط العالمي: 16.6 ومتوسط أوروبا: 10.2 ومتوسط أوقيانوسيا: 10.0 ومتوسط الأمريكيتين: 14.4 ومتوسط شرق وجنوب شرقي آسيا: 16.2 ومتوسط جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق: 16.3 ومتوسط جنوب آسيا: 16.0 ومتوسط الشرق الأوسط والمغرب العربي : 31.1 ومتوسط أفريقيا: 31.6. (صدي البلد - منظمة الصحة العالمية في أول دراسة دولية عن وفيات حوادث الطرق: مصر الأعلى نسبة وطرقها تفتقر لأدنى معايير السلامة – 13/10/2014) .
كما حدد تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن 39.1% من حوادث الطرق بسبب سيارات النقل وأن 71% من الحوادث بسبب خطأ شخصي. (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار- حوادث الطرق في مصر – سبتمبر 2008).هكذا قاد تراجع الدولة عن تطوير شبكة النقل العام وزيادة الاعتماد علي السيارات الخاصة والنقل الخاص. فما هي التكلفة الاقتصادية التي تحملها مصر نتيجة هذه تنفيذ هذه السياسات.
تكلفة الازدحام المروري في مصر
قام البنك الدولي بتحليل الأزمة المرورية في القاهرة وحركة المركبات حيث اتضح أنها تتشكل من 55٪ سيارات ركوب خاصة، 24٪ سيارات الأجرة، 14٪ سيارات الميكروباص الصغيرة، 5٪ شاحنة صغيرة، 0.3٪ شاحنة ثقيلة، 2٪ فقط أتوبيسات. (مجموعة البنك الدولي - دراسة حول زحمة السير في القاهرة – مايو 2014) كما أرجعت الدراسة ارتفاع حوادث الطرق في الطرقات العادية إلى المنعطفات عند التقاطعات، وتوقّف المركبات بطريقة عشوائية، وغياب معابر المشاة؛ ولوحظت هذه الأسباب بصورة خاصة في شارع الملك فيصل، وعبّاس العقّاد، والمقطم.
تعكس هذه الأرقام حقيقة اعتماد القاهرة الكبرى أو القاهرة الحضرية وفقاً لدراسة البنك الدولي علي النقل الخاص بشكل رئيسي لنقل الأشخاص والبضائع بما يؤدي إلي زيادة الازدحام المروري بحيث أصبح زمن الرحلة بين نقطين داخل القاهرة يستغرق ثلاث أضعاف ما كان يستغرقه من وقت في فترات سابقة. بينما تمت تصفية وتقليص وسائل النقل العام لصالح النقل الخاص وسيارات الأجرة والميكروباص.
وتقول دراسة البنك الدولي إن عدم توفّر وسائل النقل الجماعي بشكل كافٍ: لا تتوفّر في القاهرة سوى 1500 حافلة عادية تقريبًا و 70 كلم من خطوط المترو. وحاليًا، لا يوجد أيّ نظام خاص بحافلات النقل السريعة، في حين يحتاج ترام مصر الجديدة إلى التطوير وإعادة التأهيل. وتتوفّر وسائل النقل الصغيرة والجماعية في منطقة القاهرة الحضرية الكبرى التي تُعَدّ مدينة ضخمة جدًا، بشكل محدود جدًا. سواء كانت هذه الوسائل حافلات كبيرة أ أو عادية أو ترام أو مترو، لا سيما مقارنةً مع المدن المماثلة في جميع أنحاء العالم.
توفّر المترو و الاتوبيسات في القاهرة والمدن الرئيسية الأخرى في العالم، كم من مترو / مليون نسمة
المدينة |
عدد المترو |
القاهرة |
4 |
نيويورك |
92 |
سول |
16 |
طوكيو |
92 |
لندن |
166 |
باريس |
149 |
ساوباولو |
31 |
موسكو |
52 |
مكسيكو سيتي |
12 |
تجدر الإشارة إلى أن الطلب على النقل الجماعي قوي في القاهرة كما يتبيّن من عدد الركاب المرتفع في الحافلات والمترو، خصوصا في ساعات الزحمة. إنّ التحول - النمطي والضروري - من استخدام السيارات الخاصة و سيارات الأجرة إلى استخدام وسائل النقل الجماعي يقيّده بشكل كبير عدم توافّر حلول كثيرة لمشاكل النقل.
تقدر الدراسة أنه يتم هدر حوالي 47 مليار جنيه، أي ما يعادل 8 مليار دولار أمريكي، كلّ عام في منطقة القاهرة الكبرى بسبب زحمة السير ومن المتوقع أن يرتفع إلى 501 مليار جنيه بحلول العام 2030.
إنّ العامل الأبرز في ارتفاع التكلفة هو الكلفة المرتبطة بالتأخير، إذ تمثّل 31 % من إجمالي التكاليف. تمثّل الآثار الصحية التي تخلّفها الانبعاثات الناتجة عن زحمة السير 19 % من إجمالي التكاليف وتُعد ثاني أكبر مساهم في التكاليف الناتجة عن زحمة السير.
وتري الدراسة أنه لو تخسر نيويورك حوالي 10 مليار دولار أمريكي في السنة مقارنةً مع غيرها من المدن، بسبب التأخير وهدر الوقود، فيما تخسر جاكرتا 5 مليارات دولار أمريكي في السنة. أمّا الخسائر في القاهرة التي تبلغ 8 مليار دولار أمريكي في السنة، فتكتسب أهمية خاصة نظرًا للقوة الاقتصادية التي تمثّلها المدينة بالنسبة للاقتصاد المصري بشكل عام؛ فخسائر نيويورك نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي تكاد لا تُذكر إذ تبلغ 0.07 %، في حين تمثّل الخسائر في جاكرتا حوالي 0.6 % من الناتج المحلي الإجمالي في إندونيسيا، أمّا التكاليف الناجمة عن الزحمة في القاهرة فتبلغ 3.6 % من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، ممّا يجعل من معالجة زحمة السير أولوية وطنية.
وأوضحت الدراسة أن 41% من التكاليف التي يتحملها الاقتصاد المصري من زحمة السير تذهب إلي الوقود الذي يستنزف دعمه جزء لا بأس به من الموازنة الحكومية.
يخلص تقرير البنك الدولي إلي أن حل أزمة ازدحام السير في القاهرة يحتاج إلي استثمار، ثمّ الاستثمار، والاستثمار، ولكن ليس في الطرقات الحضرية! - بل بتوسيع شبكة النقل الجماعي.
أنّ وسائل النقل العام قليلة في القاهرة بالرغم من الإقبال الكثيف عليها. في حين أنّ جميع الإجراءات التي سبق ذكرها مهمّة جدًا وتسفر عن نتائج قيّمة على المدى القصير والمتوسط، لا يمكن لمدينة بحجم القاهرة أن تسيّر الأعمال بالشكل المناسب من دون شبكة نقل جماعي موثوق بها.
إنّ بناء المزيد من الطرقات والجسور لن يحلّ المشكلة، إذ حاولت السلطات في لوس أنجلس الاعتماد على بناء طرقات وحسب، وكذلك فعلت السلطات في هيوستن والرياض، ولكنها اليوم تقوم جميعها ببناء شبكات ووسائل النقل العام. يشكّل توسيع شبكة المترو(استكمال الخطّين 3 و4) أحد الخيارات ولكنه ليس الخيار الوحيد، وهناك أيضا شبكات أخرى فعّالة من حيث التكلفة كالحافلات السريعة (ربما على الطريق الدائري) والترام (تطوير ترام هليوبوليس). وسيكون من شأن اعتماد شبكات متكاملة من وسائل النقل العام ( مثل الباص والمترو) تحسين خدمات النقل، وذلك من خلال إصدار تذاكر باتجاه واحد ( ذهابًا أو إيابًا).
أي أن النقل العام هو الحل الوحيد لمشاكل النقل في القاهرة.
رغم ذلك ألغت الدولة مترو الدراسة ثم مترو المطرية ومترو ألماظة وكذلك مترو مدينة نصر بدلاً من تطويرهم والاستفادة من البنية التحتية المتوفرة ، لتزيد الاختناقات المرورية في جميع أحياء القاهرة الكبرى.
وينتهي تقرير البنك الدولي إلي :
البدء بفرض رسوم وقوف علي السيارات في الشارع، ويمكن للقطاع الخاص أن يُنفّذ هذا الإجراء. وتفيد التجربة في كل أنحاء العالم بأنّ هذه الرسوم هي الأكثر قبولًا من الناس، كما أنها تخلق تغييرًا مهمًا من ناحية السلوك وتخلق إدراكًا تامًّا بأنّ هناك تكلفة مقابل استخدام الأماكن العامّة. يمكن أن تشكّل رسوم وقوف السيارات في الشارع الجزء الأول من سياسة أكثر شمولية بشأن مواقف السيارات، والتي ستشهد زيادة في متطلبات مواقف السيارات في المجمّعات التجارية والسكنية الجديدة، واحتمال تطوير مباني المواقف في القاهرة.
تنفيذ إلغاء دعم الوقود والبنزين بشكل تدريجي. يتعيّن إعادة استثمار هذا المال في تحسين حركة المرور، لاسيما في وسائل النقل الجماعي. و سيقبل الشعب هذا الإجراء ويدعمه بشكل أكبر إذا تمّ التواصل معه بطريقة فعّالة وإعلامه أنّه سيتم استخدام الوفورات الناتجة من تخفيض الدعم في سبيل تحسين حركة المرور.
مراجعة هيكل التعرفة الخاصة بجميع و سائل النقل بهدف تحسين نوعية خدمة الحافلات والميكروباص وتنظيم عملياتها. وما لاشكّ فيه أنّ تنفيذ هذه المهمة ليس سهلًا إذ يتطلّب إرادة سياسية ومشاورات مع مشغّلين في القطاع الخاص. لكنّ تنفيذ هذا الإجراء غير مكلف، و إذا ما تمّت معالجته بشكل صحيح يمكن أن يخفّف إلى حدّ كبير من زحمة السير. وعلى محافظة القاهرة وهيئة تنظيم النقل العام في منطقة القاهرة الكبرى، في أحسن الأحوال، محاولة تنظيم المنافسة على الطرق، وعلى الأقل تنظيم الأماكن المخصصة لوقوف الحافلات و الميكروباص. ويتطلّب هذا العمل اللجوء إلى تعزيز التنفيذ والحوافز المالية ( مثل تقديم مساعدات نقدية للمشغلين بدلًا من دعم الوقود، ووضع خطّة تدعم استبدال مركبات الميكروباص القديمة، كتلك التي يتمّ تطبيقها على سيارات الأجرة).
ولكن البنك الدولي لا يريد للدولة أن تكون هي المستثمر في النقل العام بل يريد أن يفتح مجالات جديدة للقطاع الخاص. فيقرر:
قد تشكّل القيود المالية عائقًا أمام الاستثمارات، إلّا أنّ الإجراء الثاني المذكور أعلاه يهدف إلى توليد بعض الموارد الهامّة في مجال استثمارات النقل الجماعي ( لا سيّما بإلغاء الدعم). يمكن أن تسهم مشاركة القطاع الخاص في بعض التكاليف ( كالتشغيل ومجموعات عربات الترام والحافلات السريعة ). وفي جميع الأحوال، وكما يتبيّن من الأرقام الواردة في هذه الدراسة، ينجم عن الحدّ من زحمة السير في القاهرة منافع اقتصادية كبيرة جدًا، ما يبرّر القيام بالعديد من الاستثمارات. تجدر الإشارة إلى أنه تمّ ترتيب المنافع الاقتصادية في هذه الدراسة من حيث أهميتها، وبالتالي، فإنّ أي مشروع أو استثمار مُقتَرَح يجب أن يخضع لتحليل مفصل من الناحية الاقتصادية ومن حيث الفرق بين التكلفة والمنفعة.
هكذا بعد كل المبررات التي ساقها البنك الدولي في تقريره والحديث عن أهمية النقل العام في القاهرة لم يبحث عن نقل الفقراء ولكنه طالب بخطوتين الأولي هي إلغاء دعم الوقود وتحريك أسعار المواصلات والثانية فتح المجال أمام القطاع الخاص بدء من تشغيل شركات النقل الجماعي وصولاً لتشغيل المترو.
لذلك لم نستعجب الحديث عن رفع أسعار تذاكر المترو والذي يأتي تلبية لمطالب الممولين وعلي رأسهم البنك الدولي وباقي المنظمات المانحة للديون.
كيف تم التحول
بدأت خطة التخريب المتعمد لمرافق النقل العام بتقليص اعتمادات الصيانة وخفض الاستثمارات بما يعيق خطط الإحلال والتجديد وعدم تطوير هياكل الأجور بما يقود إلي هجرة الخبرات والكفاءات من قطاع النقل العام إلي الخاص مع زيادة الازدحام وتردي الخدمة وارتفاع شكاوي المواطنين.
في هيئة النقل العام تم تشكيل شركة من داخل الهيئة الخدمية للنقل العام هي شركة أتوبيس القاهرة الكبري عام 1979 والتي تعثرت وزادت من سوء خدمة النقل العام. ثم تأسست من داخل الهيئة شركة النقل الجماعي وصدر تعديل بالقانون يسمح للقطاع الخاص بتشكيل شركات خاصة للنقل الجماعي في القاهرة الكبري وهو ما يعرف بالميني باص الأخضر. وأصبح في القاهرة 13 شركة خاصة تعمل في النقل الجماعي للركاب بجانب الهيئة وجمعية تعاونية وتملك 563 سيارة و11 شركة خاصة في محافظة الجيزة.
نتيجة تلك السياسات ارتفعت خسائر هيئة النقل العام بالقاهرة من عجز بلغ 230 مليون جنيه في حساب ختامي 2009/2010 إلي 438 مليون جنيه في حساب ختامي 2013/2014. وتقدم الدولة 1.4 مليار جنيه لدعم النقل العام بالقاهرة والإسكندرية وفقاً لموازنة 2014/2015 المعمول بها حالياً.
أما هيئة السكك الحديدية فقد أوضحنا كيف انخفض عدد ركابها وكميات البضائع المنقولة بواسطتها. وقد نفذ معها نفس المخطط إضافة لارتفاع عدد حوادث القطارات وسقوط الضحايا بالعشرات. وقد تم تفكيك الهيئة إلي عدة شركات منها:
الشركة المصرية للصيانة وخدمات السكك الحديدية .
الشركة المصرية لمشروعات السكك الحديدية والنقل.
الشركة الوطنية لإدارة خدمات عربات النوم والخدمات الفندقية والسياحية. تم إنشائها في 20 أغسطس 2012.
شركة السكك الحديدية للخدمات المتكاملة وأعمال التأمين والنظافة.
الشركة المصرية لتجديد وصيانة خطوط السكك الحديدية. تأسست الشركة في 22/11/2006 كشركة مساهمة مصرية لغرض إنجاز أعمال عمرة وإصلاح وحدات النقل المتحركة المملوكة للهيئة القومية لسكك حديد مصر
شركة السكك الحديدية للصناعات التكميلية وقطع الغيار والمعدات.
شركة المركز الطبي.
شركة تطوير مشروعات تكنولوجيا النقل.
وتم إغراق هيئة السكك الحديدية بقروض خارجية إضافة لوجود بعثات مقيمة بمقر الهيئة للاتحاد الأوروبي والبنك الدولي للإشراف علي تنفيذ هذا المخطط. نتيجة ذلك ارتفع العجز الجاري في حساب ختامي الهيئة من 175 مليون جنيه عام 2009/2010 إلي 3,356 مليون جنيه في ختامي 2013/2014 بخلاف مليارات الدولارات كديون علي الخزانة المصرية والأجيال القادمة. وقد نشر الإعلام علي مدي سنوات فساد العديد من صفقات الشراء في الهيئة والتي أدت إلي إقالة أكثر من رئيس للهيئة.
تقدم الدولة حوالي مليار جنيه فقط كدعم للسكك الحديدية منها 200 مليون جنيه لدعم الاشتراكات المخفضة للطلبة و 800 مليون لدعم تشغيل الخطوط غير الاقتصادية في موازنة 2014/2015.
أما مترو أنفاق القاهرة أحدث وسائل النقل العام والذي لا يزال قاصر لخدماته علي سكان القاهرة الكبري فقد تم فصل التشغيل عن الأنفاق فأصبحت لدينا هيئة عامة خدمية هي الهيئة القومية للأنفاق وشركة مستقلة للتشغيل هي الشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو.
ارتفعت خسائر الهيئة القومية للإنفاق من 22.9 مليون جنيه فقط في موازنة عام 2005/2006.إلي 3.8 مليار جنيه في موازنة 2013/2014.ولكن هذه هي نتائج تنفيذ سياسات التخسير .
ثم جاءت تصريحات رئيس شركة إدارة وتشغيل مترو الأنفاق، على فضالي، أن عجز موازنة الشركة خلال العام المالي "2014-2015" وصل 180 مليون جنيه.
هل عجز يعادل 180 مليون جنيه يستدعي القفز بأسعار تذاكر المترو بالشكل المطلوب؟!!!
أو وفقاً لتصريحات المهندس هاني ضاحي وزير النقل بأن تذكرة مترو الأنفاق 25 جنيها، مضيفا أن ذلك هو سعر التكلفة الذي تتحمله الدولة عن كل تذكرة.( المصري اليوم 29/12/2014).
ولأننا نعيش عصر الكفتجية فلا يوجد في اقتصاديات النقل مصطلح أسمه سعر تكلفة التذكرة ولكن يوجد تكلفة الراكب في الرحلة وتكلفة المقعد سنوياً وتكلفة الرحلة .
كذب المسئولين وحقيقة الموقف
يركب مترو الإنفاق وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 818.4 مليون راكب سنوياً. لو أن الراكب يكلف 25 جنيه كما قال الوزير فإن ذلك يعني أن التكلفة تبلغ 20.5 مليار جنيه سنوياً.
ولأن الكذب ملوش رجلين حسب المثل المصري الدارج فإن إجمالي خسائر هيئة الأنفاق لم تتجاوز 3.8 مليار جنيه وخسائر الشركة 180 مليون جنيه فمن أين جاء الوزير بأن المترو يخسر سنوياً 20.5 مليار جنيه .
ثانيا- تقول الصفحة الرسمية للهيئة القومية لمترو الأنفاق أن تكلفة تنفيذ المشروع بجميع مراحله بلغ 23 مليار جنيه بمعدل 700 مليون جنيه سنوياً وتم خلالها عمل 83 كيلومتر من الأنفاق. من أين يأتي المسئولين بهذه الأرقام؟!!!
ثالثاً – إن زيادة سعر التذكرة 25 قرش يحقق للهيئة إيرادات سنوية 204.6 مليون جنيه وهو ما يفوق إجمالي خسائر الشركة. وإذا تمت زيادة ثمن التذكرة 50 قرش فقط فإن ذلك يحقق للشركة 409.2 مليون جنيه إيرادات إضافية بما يغطي خسائر الشركة وجزء من خسائر الهيئة .
رابعاً – لماذا لا تعرض الهيئة والشركة موازنتها وحسابها الختامي ليشارك المنتفعين من ركاب المترو في البحث عن حلول لترشيد وتطوير الأداء.ولماذا لا يشارك المنتفعين في إدارة وتشغيل المترو ليتحقق التكامل بين مقدمي الخدمة والمستخدمين.
النقل العام هو الحل
لا يوجد حل لأزمة النقل في القاهرة الكبري إلا بخطة تعتمد علي تطوير النقل العام كمرفق خدمي مملوك للدولة وليس كمرفق يديره القطاع الخاص تحت إشراف الدولة كما يريد البنك الدولي.
إن لدينا خبراء في اقتصاديات النقل وهندسة النقل في كل جامعات مصر ولدينا جهاز لتخطيط مشروعات النقل عليه وضع رؤية شاملة للتطوير تشمل تطوير مترو مصر الجديدة وتحويله لمترو سريع، إضافة لتشغيل واستكمال مترو الأنفاق وتطوير هيئة النقل العام وهيئة السكك الحديدية.
إننا بحاجة إلي تقييم كل القروض التي حصل عليها قطاع النقل خلال العقود الثلاث الأخيرة وتقييم أثرها الاقتصادي علي التشغيل والصيانة وحجم الأعباء التي تم تحملها والمتبقي منها وربط ذلك بحجم الدعم الذي يحصل عليه قطاع النقل بأشكاله مختلفة.
بعد ذلك يتم وضع رؤية استراتيجية لتطوير النقل العام في مصر وفي القاهرة وبما يشمل النقل النهري المهمل والمخسر علي مدي سنوات ليتم ذلك كله كمرفق عام غير هادف للربح ولكن يعمل بشكل اقتصادي وتحت رقابة ومشاركة المنتفعين.
إن بعثات البنك الدولي والاتحاد الأوروبي لم تؤدي لتطوير حقيقي في قطاع النقل بقدر ما أدت لتفاقم المديونية وتردي التشغيل وارتفاع معدل دوران العمالة وخروج الخبرات. وكذلك ارتفاع التكلفة علي المواطنين وزيادة الازدحام وتدهور مستوي الخدمة.
إن المشكلة ليست في زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق فقط. ولكن مراجعة كل سياسات النقل والمواصلات في مصر وخضوعها للرقابة الشعبية للمنتفعين لتستمر كمرافق عامة. ولن نسمح بتخريب المرافق العامة وبيعها خردة لتجار القطاع الخاص. ففي بلد يعيش أكثر من 43% من سكانه تحت خط الفقر لا بد أن تستمر الدولة في إدارة مرفق النقل العام والحفاظ عليه بشكل اقتصادي وغير هادف للربح فهذا جزء من التزامات الدولة تجاه مواطنيها.
المصدر: الحوار المتمدن