هل يمكن إعادة سايكس بيكو مرة أخرى؟
في لجة أحداث هذه المرحلة العاصفة يظهر بعبع التقسيم في كل منعطف ماّداً رأسه، هاّزاً الثقة بما اعتدناه من حدود وما بنينا عليه فكرتنا عن الوطن والهوية الوطنية.
وتبدأ الخرائط بالاهتزاز مع حديث البعض عن إعادة تقسيم المنطقة في نوع من سايكس بيكو جديد، بناء على تغير موازين القوى العالمي وفيما يسميه البعض «إعادة اقتسام الكعكة».
وإذا عدنا قليلاً إلى الوراء وقت «اقتسام الكعكة» الحالية، يمكننا أن نستنتج أن ألوان الخرائط كانت نتاجاً لمرحلة استعمارية محددة، جرى فيها تغيّر موازين قوى كبير (وهو ما يستند إليه البعض في محاولات تشبيه الأمس باليوم)، وكانت فيه تلك القوى الاستعمارية القديمة في طور انحسار والقوى الاستعمارية الجديدة في طور تقدم، فانحسار الدولة العثمانية وزع تركتها على الاستعمارات المتقدمة الحديثة التي أرادت لها تعبيراً مساحياً لنفوذها الاقتصادي والسياسي.
لكن ما يجري اليوم من تراجع لهيمنة القوى الإمبريالية الكبرى لصالح القوى الرأسمالية الصاعدة، يحمل فرقاً جوهرياً ألا وهو فقدان الصفة الإمبريالية عن هذه القوى الصاعدة (حيث إن من مميزات الدول الإمبريالية الأطماع الاستعمارية).
وحيث إنه ضمن موازين القوى الحالية تسعى الدول الصاعدة إلى إحلال وضع من الاستقرار الأقصى في أرجاء العالم من خلال إطفاء جذوة الحروب، وأنواع الصراع والتوتر كافة التي ما زالت القوى الغربية تحاول إشعالها في كثير من مناطق العالم كتعبير عن بقايا قوتها وهيمنتها التي تتلاشى بالتدريج.
وفي وضع منطقتنا نرى ثلاثة احتمالات لما مارسناه من تكريس لسايكس بيكو منذ حوالي المائة عام.
الاحتمال الأول: يكون في بقاء الحال على ما هو عليه خرائطياً، وتغير الحال اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً نحو الأفضل على وجه التغليب بسبب انخفاض القبضة الاستعمارية الغربية مما يسمح بنوع من النمو والتنمية المستقلة نسبياً لبلدان المنطقة.
الاحتمال الثاني يكون في تغيير بسيط على خرائط المنطقة (يكون في غالب الأحوال حاملاً لنوايا «حسنة» لتصحيح أوضاع تركها راسمو الخرائط كبؤر توتر متعمدة في المنطقة) ويحمل هذا الاحتمال كل ما يرغب به مخططو الغرب الاستعماري من إمكانات فذة للتوتر والتفجير في المكان والزمان والشكل الذي يمكن إنجازه بالنسبة لهم.
الاحتمال الثالث: يكون في السير نحو الاتجاه المنطقي الوحيد المعادي لمشروع الهيمنة الغربية (الذي يهوى رسم خرائط وإعادة رسمها كلما حلا له) من خلال اندماج يصبح يوماً بعد يوم أكثر واقعية وأكثر ضرورة لسكان هذا الشرق في نوع من المشروع المقاوم للهيمنة، والذي من المرجح أن يلقى دعماً حقيقياً من القوى الصاعدة التي تجد ضرورة في ترسيخ كل أنواع الاستقرار السياسي الممكنة في العالم، لخلق مناخ دولي جديد، يمكن من خلاله تطبيق «نظام عالمي جديد» (مع العذر من استعارة مصطلح لم يكن يوماً طيب السمعة) قائم على إطفاء بؤر التوتر أينما وجدت على الأرض ومن خلال إنهاء العوامل المسببة لها (كألوان خطاطي منطقتنا سايكس وبيكو).
إن التلويح بأن العالم قادم على تقاسم جديد لا يمكن أن يعني إلا قصر نظر على مستوى الرؤية السياسية، أو حلماً باستعادة أمجاد الاستعمار القديم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 829