«المخدرات» الرقمية..!!

«المخدرات» الرقمية..!!

عهدنا جميعاً سماع كلمة «رقمي» أو «الكتروني» وهي تصف كثيراً من الأشياء التي عرفناها لوقت طويل بشكلها التقليدي، لكن تلك التسمية اليوم غير معهودة على الإطلاق، إنها الموضة الجديدة التي تتناقلها المواقع والشاشات التلفزيونية دون أن يدري الكثير منا ماهيتها بالضبط، كما أن سؤال المختصين من الأطباء في مجال الإدمان على المخدرات زاد من تعقيد هذا المفهوم وغموضه، هل يوجد شيء اسمه: «المخدرات الرقمية»؟ ولم كل هذا الكلام حوله الآن؟

بدأت القصة مع نشر قناة MTV اللبنانية تقريراً خاصاً عن الموضوع، واستعرضت أحد المقاطع المنشورة على شبكة الانترنت وهي تظهر بعض الشباب في حالة مخيفة تشبه الصرع، وذلك بعد أن بدؤوا بالإصغاء لإحدى الملفات الموسيقية من على أجهزتهم المحمولة، وضح التقرير بأن تلك الموسيقا هي أمر مبني على تقنية قديمة تسمى «النقر بالأذنين»، اكتشفها العالم الألماني هنري دوف عام 1839، واستخدمت لأول مرة عام 1970 في علاج بعض حالات الأمراض النفسية كالأرق والتوتر، كما تزامن هذا التقرير مع تصريح خاص لشرطة دبي بتقرير ينفي فيه وجود مثل تلك الحالات، تلاها ما نشرته شبكة cnn عربية من تقرير عن الموضوع شرحت من خلاله ما هي المخدرات الرقمية ، لتصبح قضية رأي عام عربي ما لبثت أن نفتها العديد من المنظمات والدوائر الحكومية، لكن بعد أثارت الكثير من النقاشات في كل مكان.

تزامن الموجات الدماغية مع التسجيل

يعرف الموقع الإلكتروني www.i-doserexposed.com  «المخدرات الرقمية» بأنها أصوات تتم تقويتها من خلال تردّد النقر بالأذنين أو نغمة رتيبة معينة. مما يؤدي إلى مضاعفة دورات موجات دماغية معينة. إلى أن تصبح الموجات الدماغية للمستمعين متزامنة مع التسجيل بعد تكرار المقطوعة المسجلة مرات ومرات، ليبدو الأمر في النهاية مشابها للإدمان التقليدي على بعض المواد المخدرة، ولتبدأ بعدها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بتناقل هذا التعريف المبسط وتضخيم تفاصيله تقابلها تقارير تلفزيونية متلاحقة حاولت اجتذاب المزيد من المهتمين.

رصد الظاهرة وتجفيف مصادرها

هذا بالضبط ما قامت به العديد من المواقع ، ووصل «التصعيد» إلى حد ترويج إشاعات عن رفع حالة التأهب لمواجهة هذه المخدرات، وأقاويل عن قيام الدوائر الأمنية في الخليج العربي بـ «رصد الظاهرة وتجفيف مصادرها»، وأنها قد سجلت حالات إدمان من هذا النوع من التعاطي الرقمي بحسب تعبيرهم، لكن في الواقع لم يصدر حتى اليوم أي بيان رسمي عن وجود لو حالة واحدة توصف بـ«حالة» إدمان مخدرات رقمية، كما أن المتابع الحذق يعلم بأن التقرير الذي نشرته قناة MTV يستند إلى مقطع فيديو نشر على موقع «يوتيوب» منذ العام 2012، والذي حصد على أقل مائتي متابعة بعد أن خلا من أي توثيق أو تعليق يوضح تفاصيل ما يتم عرضه، في ذلك العام، انشترت موجة إعلامية مشابهة، لكنها لم تلق الكثير من الاهتمام، عندها ذكر العديد من مستخدمي مواقع التواصل أنهم استمعوا لهذا النوع من «المخدرات» المزعومة، لكنها لم تصبهم بأي شيء يشبه ولو من بعيد ما رآه الجميع في تلك المقاطع.

فساءت تجارتهم وما يمكرون

هناك بعض الأضرار المقنعة التي تخفيها مثل تلك الفبركات، فهي قد تجعل بعض الشباب والمراهقين يفكرون أكثر بتجربة المخدرات «الحقيقية»، وتزيد من إعجابهم بها، وسعيهم للوصول للحالات التي فشلت المخدرات التقليدية من استثمارها، لكن الخطر المباشر للمخدرات الرقمية جوبه ببعض الآراء العلمية المختصة  التي استعرضت بتأن المقالات المنشورة حول الموضوع، والتي تعود إلى خمس أو ست سنين في أحسن الأحوال، فقال الخبير الدولي في مجال المخدرات من دولة الكويت الأستاذ الدكتور عايد علي الحميدان لصحيفة الرياض: «ما يثار عن المخدرات الرقمية هو وهمٌ نفسي صنعه الخاسرون فساءت تجارتهم وما يمكرون»، كما أشار مدير مستشفى الأمل في جدة الدكتور أسامة ابراهيم  بالقول :«الموضوع فيه كثير من المبالغة، لابد من وجود دراسة علمية للوصول إلى إجابات دقيقة، وأن تأثيرها مجرد إيحاء يعتمد على مدى تقبل الشخص لها، وأن منشأها نفسي وليس كيمياوياً»، وكان الدكتور «جوزيف الخوري»، المعالج النفسي المتخصّص بشؤون الإدمان لدى الراشدين، حازما جداً في تعليقه عن الموضوع لموقع NowMedia حين قال : «هذا هراء» و «تفاهة».

اثنان كيلو بايت من الهيرويين

هي حيلة استهلاكية نشرتها بعض مواقع تحميل الأغاني الرقمية لتسويق بعض منتجاتها، تلقفها بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي ونشرت من دون أي تدقيق أو تمحيص، إلى أن وصلت إلى مسامع بعض المسؤولين عن برامج الإثارة والتقارير الجذابة في تلفزيوناتنا العربية، ومع الكمية مناسبة من «البهارات» الإعلامية، تحول اللاخبر إلى خبر وأي خبر، وتحول الهراء إلى حقائق علمية بعد أن أصبح التلفزيون المعلم الأصدق بعد أن جمع حوله عددا كبيراً ممن لا يملكون ادنى فكرة عن مثل تلك الامور علت أصواتهم ذعراً وتحذيراً، هي زوبعة مفتعلة لا تواجه إلا بالسخرية، كما فعل أحد المعلقين على أحد مواقع التواصل الاجتماعي حين قال : «أريد من تجار تلك المخدرات الرقمية اثنين كيلو بايت من الهيرويين»!!