«اللعبة» السورية

«اللعبة» السورية

«مع أشعة النهار الأولى، تتجمع المجموعات المدربة في أماكنها المحددة على تخوم مدينة «حمص» بعد ان تم إبلاغها بضرورة بدء مهامها،

يتم تفقد كل شيء قبل البدء بالتحرك، لقد كانت الليالي الماضية صعبة للغاية ولم تستطع تلك المجموعات الدخول من الطرف الجنوبي للمدينة، كان لابد من إعادة التموضع من جديد لتحقيق الاختراق الامثل لدفاعاتها». قد تصاب بالدهشة عندما تعرف بأن هذه الكلمات لم تصدر عن قائد عسكري في ساحة الحرب السورية، إنها ببساطة التعليمات الافتتاحية للبدء بإحدى نسخ اللعبة الأميركية المشهورة عالمياً : «مهمة القتال : قوة الصدمة» المخصصة لمدينة حمص السورية.

تطالعك هذه اللعبة بمحاكاة تصويرية لمدينة حمص بكامل تفاصيلها، وبدقة عجيبة لم تهمل اسم شوارعها وتوضع أبنيتها، لكن العجيب بالفعل هو تاريخ إصدارها: (2009) فقد تم انجازها قبل شهور عديدة من بدء الأحداث السورية، لكنها تحمل تفاصيل العمليات على الأرض بدقة عجيبة تكشف عن شبكات أنفاق عابرة للحدود، وعن آليات لتوزيع القناصة، وتعتمد على مدينة حمص كرأس حربة لاندلاع القتال في الشوارع بين عناصر من كتيبة فرقة ميكانيكية (وحدة الصدمة الأميركية) والقوات السورية، بما في ذلك القوات المدرعة المنتشرة.
إنها نموذج تدريبي لما قد يحدث فعلاً، وهذا ليس بالغريب عن الولايات المتحدة الأميركية التي تنفق سنوياً مليارات عديدة على تطوير أقسام المحاكاة الحاسوبية للأعمال الحربية حيث أصبح بالإمكان رؤية هذه النماذج الحاسوبية في كافة المستويات القتالية وفي الغالبية العظمى من المعاهد والكليات العسكرية فهي أصبحت الآن معياراً يؤخذ بكثير من الجدية في عمليات التقييم التي تجري دورياً على المتدربين كما أن كلفة تطويرها -على الرغم من ارتفاعها- لن تقارب كلفة العمل العسكري الحقيقي على الإطلاق، كما انها تشجيع مقصود لسياسات التدخل العسكري الرسمية بين صفوف الشباب عن طريق الترويج الممنهج لمثل تلك الألعاب وتحضيرهم للانخراط في الصفوف القتالية في المستقبل بعد تدريبهم وفق مراحل تلك الألعاب، فالألعاب الحربية الاستراتيجية التجارية لا تختلف في الواقع عن مناهج المحاكاة الحربية الأكاديمية إلا في دقة المعلومات التقنية وواقعية بارامترات تحمل الضربات وسرعة الوحدات واتساع رقعة العملية القتالية أو تخصصها.
على كل حال، أثارت الأحداث «المشوقة» في «اللعبة» السورية اليومية اهتمام العديد من شركات الألعاب الأخرى، واختلفت طرق مقاربتها لتلك الأحداث في سيناريوهات منتجاتها، فبعد قيام شركة Auroch Digital بطرح مجموعة من الألعاب الحربية المعتمدة بشكل أساسي على القرارات التكتيكية والاستراتيجية الخاصة بالأزمات العالمية الواقعية تأتي لعبة Endgame: Syria (اللعبة الحسم: سورية) كآخر نتاج لتلك الشركة البرمجية البريطانية، حيث تقوم اللعبة على مبدأ استكشافي يحاكي للواقع، فكل قرار سياسي أو عسكري يتخذه اللاعب سيؤثر على الأحداث التي يواجهها فيما بعد، وقد تفاجئ بعامل جديد يقوم بالتأثير على صحة اتخاذ هذا القرار كتفجير إرهابي أو خطف صحفي أو مقطع فيديو مسرب وغير ذلك من الوقائع التي نشهدها يوميا في سورية. حيث يتقمص اللاعب دور قيادة جماعات المعارضة المسلحة ضد النظام السوري وعلى اللاعب أن يحافظ على التوازن بين الاعمال القتالية ودعم القوى الدولية في إطار عوامل تتغير يومياً.
الحدث السوري اليومي هو حديث العالم بجميع تفاصيله الدموية، وها هو اليوم قد أصبح لعبة بأيدي الجميع في كل أنحاء العالم بعد ان أصبح لعبة القوى العظمى في هذا العالم، وربما لم يخطر ببال أحد كيف سيقوم  مراهق أميركي جالس في غرفته بالتجول في شوارع حمص ببندقيته الآلية بحثا عن «الإرهابيين السوريين»..