أين يذهب الملح الذي نذيب فيه الثلج؟
إن كنت تعيش في مناخ مثلج، فلا بدّ بأنّك رأيت الشاحنات على الطرقات العامّة وهي تنثر الملح على الثلج من أجل إذابته. لكن أين يذهب هذا الملح؟
تعريب: هاجر تمام
ينتهي الأمر بمعظم هذا الملح في بحيراتنا وقنواتنا المائية. لقد أظهرت دراسة حديثة بأنّ 371 بحيرة في شمالي أمريكا تحوي على نسب مركزة من الكلوريد مرتفعة بأكثر من الثلث. وأغلب هذه التركيزات باتت تشكل ضرراً على الحياة المائية في هذه البحيرات وعلى الترب التي تسير فيها هذه القنوات. لقد استنتجت الدراسة بأنّ أكثر من 7770 بحيرة معرضة لمستويات عالية من تركيزات الكلوريد الناجم غالباً عن نثر الأملاح في الطريق. يمكن للملح أن يبقى لسنوات عالقاً في التربة وفي البحيرات، حتّى يخفّ تركيزه في نهاية المطاف ويتم حمله مع المياه السائرة.
تعمل البدائل الأغلى ثمناً للملح، مثل كلوريد المنغنيز وكلوريد الكالسيوم، بشكل أفضل في درجات الحرارة التي تنقص عن 15 درجة مئوية. لكنّها لا تزال تحتوي على الكلوريد، ولهذا فهي ليست أفضل للبيئة. تصبح القضيّة أكثر أهميّة عند معرفة بأنّ المياه العذبة هي عامل حاسم في حماية النظام البيئي، والتي تزودنا به البحيرات. حيث أنّه مهمّ لمياه الشرب ولصيد الأسماك وللري وللحياة المائية وللاستجمام حتّى.
وتقول الدراسة، بأنّه حتّى لو توقفنا اليوم عن رشّ الملح ونثره، فإنّ الغالب أن تستمرّ مستويات الكلوريد المتركز بالبحيرات بالارتفاع لفترة بسبب الملح المنثور سابقاً. وتقدّر الدراسة بأنّ المناطق التي تزيد فيها كثافة الطرقات بنسبة 18% عن كثافة البحيرات والمجاري المائية، هي حيث تكون المشاكل في نوعيّة المياه بادية.
وتبعاً لدراسة أخرى عن ذات الموضوع: «يحثّ تركيز ملح الطرقات على (تساقط غذائي تسلسلي Trophic cascade) حيث تؤدّي إلى نقص العوالق الحيوانيّة (zooplankton)، ليؤدّي بدوره إلى ارتفاع مفاجئ في غذائها: العوالق النباتيّة (phytoplankton)، وهو ما يبدو كازدياد صارخ في نسب الملوحة». وقد وجدت ذات الدراسة بأنّ العوالق الحيوانيّة التي تناقص عددها بفعل زيادة الملوحة، قد أظهرت قدرة على الاعتياد على الملح بعد تعرضها له، ممّا أدّى إلى ازدياد عددها في الأجيال المتتالية. لكنّ الدراسة تؤكّد على أنّ هذا الأمر يحتاج إلى وقت ونسب ملوحة معينة حتّى تتمكن من احتمال الملح.
وقد أظهرت دراسة أخرى بأنّ الشراغيف التي نمت في مياه مالحة قد أصبحت ضفادع ذكور بدلاً من إناث، بنسبة تفوق 10% من المتوقع. لم يفهم الفريق البحثي الآلية الضمنيّة التي أدّت لذلك، لكن: «التفسير الواضح هو أنّنا قمنا بتحويل بعض الإناث إلى ذكور تشريحيّة (anatomical males) عندما كانت شراغيف»
وفي دراسة أخرى أجريت على تأثير الملوحة على سمك السلمون، وجد بأنّ ازدياد ملوحة المياه يؤثّر بشكل طردي على تخفيض سمك السلمون بأكثر من 30%، وذلك بسبب تأثير الملوحة على إبطاء نموّ السمك: «إن نميت بشكل أبطئ، فستكون عرضة للافتراس أكثر، وسيأخذ منك وقتاً أطول لكي تتكاثر، وسوف تضع عدداً أقلّ من البيوض. إنّ النمو لدى الأسماك هو كلّ شيء».
يمكن للصوديوم الموجود في الملح أن يطلق عند سريانه في التربة معادن أخرى إلى مجاري المياه، مثل الكالسيوم، ممّا يؤدي لتفضيل أنواع على حساب أنواع أخرى: «سيصبح من الأسهل على بعض الأنواع الغازية، مثل المحار الآسيوي أو صدف حمار الوحش أو الحلزونات المتنوعة، أن تجد لنفسها موطئ قدم عند وصولها إلى البحيرة».
وبالإضافة لتعكيره المياه العذبة التي يستخدمها الإنسان، فهذا الملح قادر أيضاً على تسميم الأنابيب التي تنقل المياه عبر زيادة التآكل المطلق للمواد السميّة، وذلك تبعاً للمسح التي أجرته وكالة حماية البيئة الأمريكية.
بعض البدائل المقترحة للملح هو عصير الشمندر، حيث يقوم السكّر الذي يحتويه بإذابة الجليد من على الطرقات. لكنّ السكّر يعتبر سماداً يساعد على نمو الأشنيات والطحالب. ولهذا رفضت الكثير من البلديات استخدامه لأنّه يؤدي إلى تعكير شكل مياه البحيرات التي يجذب نقاء مياهها السياحة والاستجمام، فالمياه التي يبدو لونها أخضر لا تجذب الناس إليها.
وتشتمل بعض مقترحات الحلول الأخرى على استخدام الماء المالح وليس الملح، حيث أنّه يمكن للماء أن يساهم في تخفيف تركيز الملح عند رشّه، وخاصة إذا ما تمّ استخدام رشّاشات حديثة ومعدّلة بحيث تناسب الاحتياجات البيئية قدر الإمكان. فتبعاً للمشرفين على الدراسة، يمكن لمثل هكذا إجراء أن يخفف من تأثير الملح المستخدم حالياً بنسب تصل إلى 70%. وتشير إحدى المشرفات على الدراسة إلى نظام المرشات الجديد الذي تستخدمه ولاية نيويورك بشكل تجريبي. فبدلاً من تثبيت المرشات في ذراع صلب، يمكن أن يتم تقسيم هذه المرشات إلى أفرع قصيرة قابلة للتحرّك ومستقلة عن بعضها البعض، بحيث يمكن تحديد نسب الرش وأماكنه بما يقلل قدر الإمكان من كميات المواد المستخدمة في الرش.