طماشات تعليمية
تغيرت معايير التعليم والتعلم إلى درجة أصبح فيها ما هو إنساني مداناً في الوعي البسيط للغالبية من المتعلمين، حيث تسرب الشعور بتقديس الطماشات (قطع جلدية توضع للحيوانات على جوانب العينين تمنع من رؤية ما هو موجود في مجال الرؤية الطبيعي وتحده في مجال صغير) إلى حد كبير.
حدث غرامشي (الفيلسوف الإيطالي) عن أزمة التعليم ووصفها بأنها «ترتبط على وجه التحديد بواقع أن عملية التمايز والتخصص تجري بصورة فوضوية بلا مبادئ واضحة ومحددة، وبلا خطط واعية مدروسة. وبأن أزمة المناهج الدراسية وتنظيم المدارس، أي أزمة الإطار العام لسياسة تكوين الكوادر المثقفة، هي إلى حد كبير مظهر ونتيجة للأزمة العضوية الأعم والأشمل».
إن تعمق السياسات الليبرالية، التي تفصل الإنسان عن واقعه، لتحوله أكثر فأكثر إلى أداة إنتاج تستطيع إنتاج المزيد فحسب، تفقدنا يوماً بعد يوم مزيداً من إنسانيتنا، حيث يكون التوجه إلى «إلغاء أي نوع من التعليم النزيه (أي الذي لا يخدم المصالح مباشرة)، أو التعليم التكويني، أو على الأكثر الإبقاء على صورة منه وفي أضيق الحدود، لخدمة نخبة ضئيلة من السيدات والسادة الذين لا يقلقهم ضمان مستقبلهم المهني»،
وحتى هذا التعليم المحدود للنخبة فهو مقتصر على بعض مدارس النخبة القاصرة فعلياً على أداء هذه المهمة.
«نجد بدلاً من ذلك نمواً مضطرداً للمدارس المهنية المتخصصة، التي يتحدد فيها سلفاً مصير الطالب ونشاطه في المستقبل. إن أي حل رشيد للأزمة ينبغي أن يتبنى التوجهات الآتية، أولاً: تعليم عام أساسي ينشر ثقافة إنسانية وتكوينية يحقق التوازن الصحيح بين القدرة على العمل اليدوي (فنياً وصناعياً)، ونمو القدرات اللازمة للعمل الفكري. ومن هذا النمط من التعليم العام، وعبر التجارب المتكررة في التوجيه المهني يمكن للطالب أن ينتقل إلى إحدى المدارس المتخصصة أو إلى العمل الإنتاجي». هذا ما عبر عنه غرامشي، الذي نجده اليوم حاضراً بيننا، لكنه كان حتماً سيلاحظ تدني مستوى العملية التدريسية بحد ذاتها ليصبح حتى التعليم المهني نوعاً من المسخ الذي لا يمكن تحديد هويته، فهو غير قادر حتى على إرسال عمال مهرة إلى «سوق العمل».
وأصبح ذلك الذي يعمل على تثقيف نفسه بنفسه، في مجالات متعددة غريباً ككائن هبط من الفضاء الخارجي ، يقابل دوماً بسؤال: لماذا؟ وما الهدف؟