انتحار الأطفال... ظاهرة جديدة تؤرّق التونسيين
اشتعل فتيل الثورة التي غيرت تونس إثر انتحار الشاب التونسي محمد البوعزيزي، البائع المتجول الذي عانى التضييق والفقر والألم النفسي. رحل البوعزيزي وبقيت المعاناة تخيم على الحياة اليومية لشريحة مهمة من التونسيين. وعلى رغم أن الانتحار لم يكن حلاً ناجعاً للتخلص من هذه الآفات الاجتماعية فإنه أصبح في تونس وسيلة لإنهاء التعايش معها.
عام 2014 كانت سنة الانتحار بامتياز في تونس، اذ فاقت فيها نسب هذا الفعل الحزين كل الأرقام المسجلة سابقاً. غير أن استفحال هذه الظاهرة صاحبه تغير نوعي في فئة المنتحرين، إذ شهدت البلاد ارتفاعاً في نسب الانتحار بين أطفال المدارس. حتى أن عدد المنتحرين منهم بلغ 18 طفلاً غالبيتهم تنتمي إلى المناطق الداخلية الفقيرة.
وجاء في التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية تسجيل 203 حالات انتحار في تونس عام 2014. ورصد التقرير تفاوتاً في نسب الانتحار بين الذكور والإناث بنسبة 74 في المئة لدى الذكور و26 في المئة لدى الإناث. وفي دراسته للفئات العمرية التي يقدم أصحابها على الإنتحار رصد التقرير 18 حالة انتحار في صفوف الأطفال منها 6 حالات في صفوف الذكور و12 بين الإناث تمت بغالبيتها من طريق الشنق. وبحسب التقرير ذاته، فإن أسباب انتحار الأطفال التلاميذ تعود في شكل أساسي إلى الظروف الإقتصادية السيئة لعائلات الأطفال الضحايا مع غياب التأطير النفسي والرعاية الإجتماعية في المؤسسات التعليمية.
الاختصاصية في علم نفس الأطفال سلمى عبد الكافي أكدت في حديث الى «الحياة» أن «السبب الرئيسي لانتحار الطفل هو الشعور بانعدام الأمان الذي يولده الحرمان من الحاجات الأساسية والضرورية كاللباس الملائم والأكل الصحي والألعاب. كما أن بروز هذه الظاهرة في المناطق الداخلية والمهمّشة يعود الى عدم قدرة بعض العائلات على توفير أدنى ظروف العيش ما يجبر الأب على ترك العائلة والنزوح الى العاصمة للبحث عن العمل وتحول المناخ الأسري إلى جو من الإنتظار والترقب على أمل انفراج الوضع ما يولد حالة من القلق النفسي لدى الطفل تليها حالة من الخيبة والاحباط تتحول شيئاً فشيئاً إلى الاكتئاب الذي يعجز العقل غير الناضج عن تجاوزه فتحدث الكارثة».
وأضافت عبد الكافي أن «تداول وسائل الإعلام السمعية البصرية المفرط لهذه الظاهرة يجعل منها ظاهرة معدية يسهل تقبلها لدى الطفل وتكرارها في غياب الوعي والتأطير من طرف المشرفين التربويين».
«الحياة» اتّصلت أيضاً بوزيرة المرأة والأسرة سميرة مرعي للحديث عن مخططات الحكومة المستقبلية للحد من هذه الظاهرة فأكدت أن «مهمة الحكومة المؤلفة حديثاً صعبة جداً طالما أن الحد من الفقر في المناطق الداخلية يعتبر رهاناً أساسياً للنهوض بالبلاد». وأضافت: «الإحاطة بالطفل في تونس تتطلب جهوداً كثيرة لتطوير التعامل التربوي مع التلاميذ وتحفيزهم على المشاركة في البناء والإبداع والإحاطة بهم مادياً ومعنوياً حتى لا يشعروا بالغربة أو بالنقص في بلادهم».
وتدرس وزارة المرأة والأسرة حالياً عدداً من المشاريع في هذا الإطار وسيتم الإعلان عنها لاحقاً، فهذه ظاهرة خطرة وتحتاج ان تؤخذ بجدية في إطار عمل حكومي متكامل للقضاء عليها نهائياً بمشاركة المجتمع المدني والإطار الصحي والتربوي.
المصدر: الحياة