على الهند أن ترفض محاولات أمريكا دفعها للصراعات
قبل أربعة أعوام، كتبت مقالاً أوضحت فيه أنّ هناك دوافع خفية وراء سماح الولايات المتحدة لبعض الهنود بأن يصبحوا مديرين تنفيذيين للشركات الأمريكية الكبرى. والآن، مضت الهند أبعد من ذلك في هذا الطريق، وبتنا نسمع أصواتاً هندية وازنة تدعو إلى التحالف مع الولايات المتحدة بشكل تبعي. إنّ هؤلاء إن تمكنوا من الانتصار في تتبيع الهند للأمريكيين، سيعني أنّ الهند ستبقى عالقة أبداً في فخ الدخل المتوسط، ولن تتمكن من الحصول على سيادتها في مجالات الاقتصاد، أو السياسة الخارجية.
ترجمة: قاسيون
اسمحوا لي أن أشرح أساسيات الجيوسياسة الأمريكية. تحافظ الولايات المتحدة على مكانتها من خلال إبقاء كل منافسيها المحتملين ضعفاء. عندما يصبح أحد المنافسين قوياً جداً، تتمّ مهاجمته بلا رحمة. على سبيل المثال، عند حلول عام 2012، نما الناتج المحلي الإجمالي في روسيا بنسبة 1000٪ خلال عقد من الزمن. وعلى الفور، خلقت الولايات المتحدة المشاكل في أوكرانيا، وأسقطت أسعار النفط، وهاجمت الروبل ودمرت نصف قيمته، وظلت تفرض العقوبات على روسيا منذ ذلك الحين. ومن خلال خلق الاحتكاكات بين روسيا وألمانيا، تضرب الولايات المتحدة عصفورين بحجر واحد، مما يبقي منافسين في الأسفل في الوقت نفسه، تماماً مثلما تسعى أمريكا إلى جعل الصراع بين الهند والصين عامل كسر للطرفين.
في الثمانينيات، تعرضت اليابان إلى هجوم شديد بعد أن بدأت السيارات وأشباه الموصلات اليابانية تتحدّى الولايات المتحدة. كل الدعاية التي تمّ استخدامها ضدّ اليابان باتت تُستخدم اليوم ضد الصين. كانت النتيجة هي اتفاق بلازا، الذي قتل قطاع أشباه الموصلات الياباني، وأجبر الين على مضاعفة قيمته، وابتزاز شركات السيارات اليابانية لحملها على نقل التصنيع إلى الولايات المتحدة. لقد أجبروا اليابان على الانتحار، ولم تتعافَ اليابان قط.
لهذا السبب قال القادة الصينيون دائماً: أخفوا قوتكم وانتظروا الوقت المناسب». لكن عندما أعلنت شركة ZTE عن أول مكالمة 5G في العالم في فبراير/شباط 2018، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة ZTE في غضون شهرين، وأجبرت الشركة على دفع غرامات كبيرة، وقبول المشرفين الأمريكيين. إنّ هجمات مماثلة على شركة هواوي، وعشرات الشركات الصينية الناجحة الأخرى في مجال التكنولوجيا الفائقة، وعلى الصين بأكملها مستمرة منذ عام 2017. السبب: نمت الصين اليوم «أكثر من اللازم». تجاوزت الصين الولايات المتحدة منذ عام 2014 في القوة الشرائية. من المرجح أن تصبح الصين أكبر اقتصاد من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي عند حلول عام 2025 أيضاً. ومن هنا تأتي كل الهستيريا المناهضة للصين.
وفي الحرب ضد الصين، تحاول الولايات المتحدة تحويل الهند إلى أحد بيادقها الكبرى - أو بيدقها الأكبر. أولاً، يتعين على المرء أن يفهم الصفقة الشيطانية التي تحيكها الولايات المتحدة للهند، ويحاول بعض الهنود الترويج لها. فتحت أمريكا سوق العمل أمام الهنود، وفتحت الهند اقتصادها بالكامل أمام الولايات المتحدة! والولايات المتحدة تفوز في كلا جانبي الصفقة. احصل على ألمع العمال من الهند، وفي المقابل تحصل على شيئين: «1» الوصول إلى 1.3 مليار مستهلك، و«2» دولة دمية جيوسياسية.
كانت «السوق الحرة» عظيمة إلى أن بدأت الصين بالفوز. الآن تحب الولايات المتحدة الحمائية وتكره منظمة التجارة العالمية التي أنشأتها بنفسها! عندما تشتري شركة Walmart شركة FlipKart – وهي شركة التجارة الإلكترونية الناشئة الناجحة في الهند – يتم التهليل لها باعتبارها سوقاً حرة. لكن هل تعتقد أن الولايات المتحدة كانت ستسمح لشركة FlipKart بشراء Walmart؟ بالطبع لا.
ضمان كسر المنافسة المحتملة
لن يتمكن المديرون التنفيذيون الهنود في أمريكا أبداً من العودة إلى الهند وبدء شركات منافسة. لقد تأكدت الولايات المتحدة من أن لديها سيطرة كافية على البنوك الهندية وشركات رأس المال الاستثماري وغيرها من الهياكل المالية لضمان عدم وجود أي تمويل للإصدارات الهندية من Intel وMicrosoft وCisco وGoogle وFacebook وAmazon وما إلى ذلك.
تمتلك الصين Alibaba وHuawei وTencent وTikTok وBaidu وBeiDou وSMIC وXiaomi وما إلى ذلك للتنافس مع كل شركة أمريكية/أوروبية كبيرة. ولا يوجد في الهند مثل هؤلاء اللاعبين المحليين. ونظراً للتحركات الأخيرة، لن يكون لدى الهند مثل هذه الشركات المحلية العملاقة على المدى المنظور. قارن الهند بالصين، التي تنافس الولايات المتحدة على السوق العالمية في جميع مجالات التكنولوجيا والتجارة والتمويل وما إلى ذلك.
تتفوق الصين على الهند في كل المقاييس – الناتج المحلي الإجمالي للفرد5x»»، براءات الاختراع الدولية 28x»» شركات «يونيكورن» التي يتجاوز رأسمالها التأسيسي مليار دولار «7x»، احتياطيات النقد الأجنبي «6x»، إنتاج الصناعات التحويلية 10x»»، التجارة الخارجية «6x»، توليد الكهرباء 4.5x»»، القدرة المركبة على الطاقة الشمسية «6x»، الإنفاق الحكومي «8x»، الإنفاق على البحث والتطوير «20x»، إنتاج الأرز لكل هكتار «2x»، متوسط ثروة الشخص البالغ «13x»، سوق التجارة الإلكترونية «20x»، وسرعة الإنترنت عبر الهاتف المحمول «9x»، والقطارات فائقة السرعة «39000 كيلومتر في الصين مقابل صفر في الهند»، ومتوسط العمر المتوقع «77 مقابل 69»، والرعاية الصحية «التصنيف العالمي : الصين - 48، الهند - 145»، والقائمة تطول.
إنّ جميع الهنود القادرين على عكس الاتجاه عندما توجد سياسات مناسبة موجودون في الولايات المتحدة. ضع في اعتبارك أنه في عام 1991، كانت الهند والصين على المستوى نفسه تقريباً لجميع هذه المقاييس. ما الذي تغيّر؟ حسناً، انفتحت الهند والصين على العالم، ولكن بطرق مختلفة. قامت الصين بحماية سيادتها، في حين تبنّت الهند بشكل أعمى «الإصلاحات» النيوليبرالية.
للسيطرة الكاملة على بلد ما، يجب على المرء السيطرة على ثمانية قطاعات أساسية: التمويل، والأعمال التجارية، والإعلام، والتكنولوجيا، والسياسيين، والجيش، والزراعة، والموارد الطبيعية. يمكنك أن تنظر إلى الهند وترى بوضوح المحاولات الأمريكية الحثيثة لإتمام السيطرة فيها. كمثال، في الآونة الأخيرة اشترت شركة فيسبوك وشركات الأسهم الخاصة الأمريكية مثل KKR حصة كبيرة من منصات ريلاينس جيو الهندية: عملاق التجارة الإلكترونية والاتصالات والخدمات الرقمية. الهنود الذين يخوفون شعبهم من احتمالية تجسس Huawei وTikTok سيكونون سعداء بالتجسس عليهم بنسبة 100% من قبل Facebook وGoogle وMicrosoft وNokia/Ericsson وكل شركات التكنولوجيا الغربية الأخرى المرتبطة بأجهزة المخابرات الأمريكية.
وما ينساه الهنود المؤيدون للولايات المتحدة هو كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتحول بسهولة ذهاباً وإياباً، وتحويل حلفائها إلى أعداء، أو العكس. ما بين 1947-1992 دعمت الولايات المتحدة باكستان وكثيراً ما عارضت الهند. تم تزويد جميع الجهاديين في كشمير بالأسلحة الأمريكية في الثمانينيات. نعم، كان بن لادن أيضاً أفضل صديق لأمريكا. مثال آخر: في الحرب العالمية الثانية تعاونت الولايات المتحدة مع روسيا لهزيمة هتلر. في ذلك الوقت، كان ستالين أفضل صديق «مؤقت» لأمريكا - وفي وقت لاحق، تمت شيطنته باستمرار من قبل الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن روسيا دمرت 70٪ من الجيش النازي، إلا أنّ الولايات المتحدة حصلت على كل الفضل في هزيمة هتلر. علاوة على ذلك، في غضون أسابيع قليلة بعد الحرب العالمية الثانية، كان الجنرالات في الولايات المتحدة يفكرون جدياً في إسقاط قنابل نووية على روسيا!
إن الهند الذكية سوف تظل صديقة للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه سوف تستفيد من الصين من أجل تحقيق السلام مع باكستان. ستكون هذه هي البراعة الأكثر حكمة والتي تستحق جائزة نوبل. تجميد النزاعات الحدودية لبضع سنوات والتركيز على النمو والتجارة والسلام. لا يجب على الهنود أن يسمحوا للولايات المتحدة وأتباعها بجعلهم ضحية لسياسة فرق تسد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1172