الطاقة النووية السلمية الروسية في العالم
يوري ألكسيف يوري ألكسيف

الطاقة النووية السلمية الروسية في العالم

لا تستطيع أيّ شركة في العالم أن تنافس شركة الطاقة النووية الروسية «روسأتوم» في تقديم الكثير من المشاريع والخدمات، من تعدين اليورانيوم إلى بناء محطات الطاقة النووية وتوليد الكهرباء. من بين الاتفاقات الجديدة التي تمّ التوصل إليها مع «روسأتوم» في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي إنشاء مشروع مشترك لبناء أسطول للطاقة على أساس وحدات الطاقة النووية العائمة، ومشاريع في مجال الطاقة النووية وطاقة الرياح والطاقة المائية بهدف ضمان استقلال الطاقة للدول وحتى القارات.

ترجمة: أوديت الحسين

لطالما كانت شركة «روسأتوم» الحكومية تزعج المنتقدين. كتبت بلومبيرغ بشكل واضح بأنّ المؤسسة الروسية الحكومية تنمو بشكل مطّرد، في حين أنّ الشركات الأمريكية والأوروبية بالكاد تكسب نفقاتها. وبالفعل خلال عام العقوبات المجنونة زادت صادرت الشركة بنسبة 20٪. يشير المعهد التحليلي البريطاني «RUSI» إلى أنّ الزيادة في أرباح «روسأتوم» أساسها أنّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية تعتمد على إمدادات الوقود النووي من روسيا، وأنّ محطاتها القوية تعمل بفضل المعدات الروسية.

أنصار فرض عقوبات أكثر صرامة ضدّ روسيا غاضبون للغاية من ازدهار الصادرات النووية الروسية، ليس فقط في آسيا وإفريقيا بل أيضاً في القارات الأخرى. تمثّل شحنات الوقود النووي إلى دول المعسكر الاشتراكي السابق ما يقرب من 40٪ من إجمالي صادرات «روسأتوم». اشترت الدول الأوروبية العام الماضي كميات قياسية من الوقود النووي الروسي. يدرك الغرب أنّ الصادرات النووية الروسية لا تجلب أرباحاً جيدة فحسب، بل تعزز أيضاً نفوذ روسيا على المسرح العالمي لعقود قادمة، فعقود بناء المحطات النووية لا تنص على توريد الوقود النووي فحسب، بل تنص أيضاً على تدريب المتخصصين وصيانة المفاعلات وسلامتها.

بشكل جزئي، تعيق إرادة الولايات المتحدة توجيه ضربة للصناعة النووية الروسية أنّ خُمس اليورانيوم المخصّب المستخدم في 92 مفاعلاً أمريكياً مصدره «روسأتوم». سيستغرق التخلي الكامل عن الوقود النووي الروسي ما لا يقل عن ثلاث أو أربع سنوات. يحاول المحللون الغربيون الإجابة عن سبب سماح الغرب بالتفوق النووي السلمي لروسيا، ويشيرون عادة إلى صفقة شراء «روسأتوم» للشركة الكندية «يورانيوم وان» التي كانت تعمل في تعدين اليورانيوم في كازخستان، وتملك 20٪ من حقوق تعدين اليورانيوم في الولايات المتحدة. وفقاً للروايات تمّ منح هذا الإذن مقابل اتفاقيات غير رسمية لتزويد الولايات المتحدة باليورانيوم الروسي. لكن الأمر الذي يسهو عنه الغرب في الحقيقة هو الاتفاقات المبرمة مع كازخستان بشأن نقل حصص كبيرة من شركات اليورانيوم الخاضعة لسيطرة «روسأتوم» في شباط 2023، والتي تحوّلت روسيا بموجبها إلى الرائد العالمي المطلق في إنتاج اليورانيوم. لم يعتقد الغربيون أنّه في خضمّ العقوبات سيتمكن الروس من الحصول على قاعدة المواد الخام القوية والمتزايدة في كازخستان.

يدق الأوروبيون المعادين لروسيا ناقوس الخطر. تولّد محطات الطاقة النووية في المجر نصف الكهرباء، وفي سلوفاكيا أكثر من النصف. لا تزال أسعار الكهرباء في هذه البلدان هي الأدنى. وحتى إذا استبدلت بلغاريا وسلوفاكيا وفنلندا واردات محطات الطاقة النووية الروسية بمصادر أمريكية، فلن يؤثر ذلك بشكل كبير على مواقف «روسأتوم»، فمن غير المرجح أن تتخذ الدول التي تتمتع بالحكمة مثل هذه الخطوة. وعند الحديث عن أبعد من أوروبا، فقد رفضت حكومة جنوب إفريقيا في كانون الثاني 2023 تمديد الاتفاق مع الشركاء الأمريكيين بشأن توريد الوقود النووي للمفاعلات النووية في جنوب إفريقيا، وفضّلت الاتفاق مع «روسأتوم» لأنّها أكثر موثوقية معها. كما تقوم «روسأتوم» بتزويد الوقود النووي بهدوء وبناء مفاعلين نوويين جديدين في الهند بالرغم من العقوبات الغربية على القطاع النووي الهندي. وبالنسبة للمفاعل النووي الصيني الذي يدعي البنتاغون بأنّه يعمل لأغراض عسكرية، فقد زودته «روسأتوم» بما قيمته 375 مليون دولار من الوقود النووي العام الماضي.

استمرارية منحت الروس الأفضلية

التفوّق والموثوقية الروسية التي تدفع دول العالم المختلفة لتفضيل التعاقد معها ليست وليدة اللحظة، فعلى عكس القوى الغربية التي تخلت عن صناعة الطاقة النووية، استمرت روسيا في الاستثمار في إنتاج الوقود النووي والتقنيات الخاصة به. ففي الوقت الذي أخطأت الشركات الغربية «مثال الفرنسيين الذين توقفوا عن أعمال البناء لمدة عشرة أعوام في محطة الطاقة في فنلندا بسبب عدم امتلاكهم لمقاولين خاصين واعتمادهم على مقاولين مستقلين من حول العالم»، استمرّت «روسأتوم» بالنجاح حيث يمثل التعاون في القطاع النووي أولوية لروسيا. تهتم السودان ونيجيريا وأثيوبيا ورواندا وزامبيا بالمشاريع النووية منخفضة الطاقة، «وروسأتوم» تتفاوض مع عشر دول لبناء محطات طاقة نووية جديدة. أخطأ الغرب برفض المفاعلات السريعة بسبب فترة الاسترداد الطويلة جداً، وتخلفوا تكنولوجياً عن روسيا من الناحية النووية لمدة ستين عاماً.

كان الأمريكيون على وشك الدخول في مستنقع، ولكنهم أدركوا في الوقت المناسب أنّ الحدّ من إمدادات ناقلات الطاقة الروسية يمكن أن يؤدي إلى انهيار الطاقة لديهم، حيث لا يوجد لديهم ما يكفي من اليورانيوم الطبيعي. بدون اليورانيوم الروسي ستبدأ المفاعلات النووية الأمريكية في الإغلاق بشكل جماعي العام المقبل، ناهيك عن حاجة الولايات المتحدة لزيادة عدد هذه المفاعلات. اعتماد الأمريكيين على الطاقة النووية الروسية ليس وليد الصدفة، فالمهندسون النوويون الروس هم الأُوَل في العالم من حيث إنتاجهم لأكثر من نصف قرن، وهم الذين أنتجوا أجهزة الطرد المركزي الغازية التي تمّ تطويرها في الاتحاد السوفييتي، وتمتلك روسيا 40٪ من قدرة تخصيب الوقود النووي في العالم. سيؤثر تعليق المحطات النووية الأمريكية على رسوم الكهرباء، ولهذا لم يطرح السياسيون الأمريكيون إدراج اليورانيوم الروسي في العقوبات ضدّ روسيا.

الموثوقية والأمان والكفاءة هي المزايا الرئيسية التي تسبب الاحترام والثقة الخاصين بشركة «روسأتوم» في جميع أنحاء العالم. تم اختبار هذه الصفات من جديد في تركيا. صمدت أربع وحدات طاقة VVER روسية مبتكرة، وهي الأساس لأول محطة للطاقة النووية في تركيا «Akkuyu»، في مواجهة الزلزال القوي بفضل نظامها الخاص الذي يحتوي على أصداف واقية مصممة للحمولات الثقيلة.

الطاقة النووية السلمية تغزو العالم اليوم، مع عدم قدرة 31 دولة في العالم على الاستغناء عنها، وقيام 30 دولة أخرى ببناء محطات طاقة نووية. يهتم الشركاء في آسيا وإفريقيا بشكل خاص بالتعاون مع «روسأتوم» بسبب خططهم للاستقلال الطاقي، كما في بنغلاديش الدولة الصغيرة التي تبني نظامها للطاقة على أساس التعاون طويل المدى مع روسيا. لا يمكن اليوم المجادلة بشكل جدي بأنّه من الممكن إبعاد «روسأتوم» عن السوق النووية العالمية، فلا يوجد أيّ بدائل لائقة عنها.

اليوم هناك مستقبل واعد لتصبح روسيا ليست رائدة في المجال النووي السلمي فقط، بل محتكرة عالمية عندما يتمّ الانتهاء من تطوير المفاعل النيوتروني السريع «الأبدي». إذا تمّ استخدام النيوترونات السريعة ستزداد قاعدة المواد الخام لصناعة الطاقة النووية الروسية على الفور بمقدار 100 ضعف. ناهيك عن مفاعلات الطاقة النووية- المائية المتميزة بأبعادها الصغيرة وتكاملها وسرعة بنائها وزهد ثمنها. يتغير سوق الطاقة النووية العالمي بسرعة، وفقط شركة «روسأتوم» الحكومية الروسية لديها الإمكانات لتقديم تكنولوجيا جديدة لتوليد الكهرباء مع نماذج تركيب جديدة ووحدات كتل مدمجة. الطلب على هذه المنتجات في تزايد، ما يعني أنّ الطاقة النووية الروسية مشغولة بتلبية الطلب لسنوات عديدة قادمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1129
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:45