الصين الماوية وبناء الاشتراكية... سلطة الطبقة العاملة (1)
اعتاد الناقدون الغربيون على توجيه اتهامات عدة للنهج الماوي في الصين، من بينها: أنّه سيّس الناس بإفراط، مما أدّى إلى التقويض المستمر للاستقرار. وللوقوف على حقيقة تلك المرحلة، نقدم فيما يلي حواراً أجراه أونوركان أولكر، مع فريد إنغست، الذي قضى الكثير من وقته في الصين الماوية. يناقض انغست بشدة الانتقادات السائدة لماو، ويقدم رؤى هامة حول بناء الاشتراكية في الصين.
تعريب وإعداد: عروة درويش
ولد فريد إنغست «يانغ هيبنغ» في بكين عام 1952، وتربّى في عاصمة الصين السابقة جيان، ومن ثم عاد إلى بكين عام 1966، قبل انطلاق الثورة الثقافية. قضى جلّ حياته في الصين بين المدن والريف، وانتقل إلى الولايات المتحدة عام 1974. تنقل بين الصين والخارج، حتّى عاد وقضى عامي 1988 و1989 فيها. عاد إليها عام 2000 وعمل في تدريس الاقتصاد لفترات متقطعة، ثم انتقل نهائياً إلى بكين عام 2007.
كيف كانت حياة الناس العاديين في الصين الماويّة؟ هل خلق ما يسمّى بـ«الإفراط في تسييس الجماهير» نوعاً من الفوضى؟
هذا سؤال مليء بالأسئلة. يجب أن يكون السؤال هكذا: هل تبرر القمع، أم أنّك تحاول تخطي القمع؟ المشكلة بكلمات أخرى: هل تريد خلع القامعين القديمين لتصبح قامعاً جديداً مكانهم، أم أنّك تريد أن تنهي نظام القمع بالكامل؟
كان هنالك أشخاص في الحركة الثورية، مناهضون للإقطاع وللرأسماليين الوكلاء وللإمبريالية، لكنّهم لم يكونوا مناهضين لنظام القمع كلياً. ولهذا، ما أن أصبح الثوّار هم الحكام، نشأت مشكلة جديدة: هل سيحكمون باسم الشعب بالاشتراك مع هذا الشعب، أم أنّهم سيصبحون القامعين الجدد بكل بساطة؟ كيف تمنع الثوّار من أن يتحولوا إلى قامعين جدد كانت هي القضية الحقيقية.
في سنواتها السبع الأولى، بين عامي 1949 و1956، خاضت الصين الماويّة تحولاً ناجحاً جداً إلى التعاونيات الزراعية، حيث ازداد نصيب المزارع الفرد من الدخل بشكل مستقر وكبير. كما أنّها نجحت في تحويل الصناعات الخاصة، إمّا إلى مؤسسات مملوكة للدولة، أو إلى قطّاعات مشتركة. لذلك كانت الصين من حيث المبدأ قادرة على إتمام التحوّل من مجتمع رأسمالي نصف إقطاعي، إلى مجتمع اشتراكي، لكن عندها، وبشكل مفاجئ، طرأت عدّة مشاكل، بدأ الناس في المصانع والمدن والأرياف يواجهونها. بدأ العمّال والتلاميذ يضربون على طريقة تولي البيروقراطية للتناقضات. هنالك مثال شهير: أراد الجيش بناء مطار في قرية في إقليم هينان، دون إيلاء أيّ اهتمام لمعيشة الفلاحين في القرية. لم يقوموا بشيء سوى جلب الجرافات ومحاولة تدمير كلّ شيء من أجل إنشاء المطار، ولم يكن أمام الفلاحين أيّة طريقة سوى المقاومة بالوقوف في طريق الجرافات. هذه الحادثة مذكورة في المجلد الخامس من كتاب: «أعمال ماو المختارة».
عندها قام ماو بتوجيه الاتهام لدينغ شياوبينغ على ذلك، هل هذا صحيح؟
نعم دينغ شياوبينغ هو من فعل ذلك. كان هنالك الكثير من الأمثلة المشابهة. إذاً السؤال المطروح هو: كيف يمكنك تخطي التناقضات اليوميّة الحتمية بين المدراء وبين الذين تتم إدارتهم في المصانع؟ كيف يمكنك تنظيم الإنتاج؟ هنالك الكثير من الآراء المختلفة، والكثير من الأفكار حول كيفيّة القيام بذلك. إذاً، ما الذي يجب على الناس، الموجودين في القيادة أن يفعلوه؟ هل ينزلون إلى خطوط الإنتاج ويستمعون للناس ويجدون الحلول ويسعون للتوافقات، أم يرمون بآراء الناس بشكلٍ وحشيٍ عرض الحائط؟ تدور هذه الأسئلة بشكل رئيس حول كيفيّة دمقرطة عمليات الإنتاج.
بحلول عام 1956، بدا واضحاً، بأنّ الفترة الاشتراكية حملت نوعين متمايزين من التناقضات، الأول هو: أنّ مالكي الأراضي القديمين والرأسماليين لم يكونوا سعداء بخسارتهم الأراضي والشركات، وأرادوا إسقاط الاشتراكية. أمّا الثاني: فكان نوعاً آخراً من التناقضات المتعلقة بوضع الأسس لكيفيّة إدارة عملية الإنتاج بشكل يومي. كيف تدير مدرسة أو حقلاً؟ كيف تحلّ النزاع بين الذين تتم إدارتهم وبين المدراء؟ ما هي حدود سلطة المدراء؟ هذا هو ما تمّت تسميته في حينها: «التناقضات بين الشعب»، ذلك أنّ أطراف التناقض هنا، لم يكن لديهم أهداف مختلفة، بل تشاركوا الهدف ذاته، لكنّهم اختلفوا في كيفيّة تحقيقه. كيف تدير مصنعاً بطريقة أمثل وأكثر فاعلية؟ كيف تحمل الصين على تخطي فقرها وتخلفها؟ كيف تحولها إلى أمّة صناعية؟ هذه هي التناقضات بين الشعب التي كانت قائمة. كيف تتولى حلّ هذه التناقضات؟
لقد بات واضحاً عام 1956 بأنّ البيروقراطية الجديدة: الناس الموجودون في مواقع القيادة، يحاولون أن يفرضوا رؤاهم على الشعب. ولذلك بدأ ماو «حملة المائة زهرة» من أجل انتقاد الأشخاص الموجودين في القيادة، بهدف إصلاح الحزب، وهنا حيث يمكن استعارة المثل الشعبي: «فلت العجل على أمه». فقد شعر الناس الذين ثاروا ضدّ القامعين القديمين، ولكنّهم لم يثوروا ضدّ نظام القمع كليّة، والذين أصبحوا حاكمين جدد، بأنّهم مهددون بحملة الإصلاح هذه. ولهذا أرادوا إعادة توجيه الهجوم ضدّ أيّ شخص يقوم بانتقادهم.
أعتقد بأنّ هذا ما يبدو «فوضوياً» بالنسبة لبعض الأشخاص. إنّهم يسألون لماذا لم يقم الصينيون بالأشياء بالطريقة «العادية»؟ لكنّ كلمة «العادية» بهذا السياق قد استخدمها الأشخاص الموجودون في السلطة، أولئك الذين كانوا يحكمون. لماذا كان هنالك تلك الانتفاضات كلها في الصين؟
لقد كان سؤالهم الحقيقي: لماذا لا تعود الصين إلى الوسائل القديمة؟ لماذا لم يتركوا المدراء في المصانع، ليصبحوا زعماء، ويتولوا أمر خطوط الإنتاج؟ لماذا اختاروا انتقاد هؤلاء الأشخاص، وحاولوا تغيير مقارباتهم؟ في الحقيقة، مانع هؤلاء الأشخاص تغيير أفكارهم. كانوا يشعرون بالتهديد عندما يواجهون النقد. لقد جعلهم كونهم أهدافاً غير مرتاحين بالمرّة. وهذا هو السبب المحدد الذي أدّى بنخبة الحزب، لتحويل حملة الإصلاح إلى «حملة مناهضة اليمين» عام 1957. حوّل هذا مسار الحملة بمقدار 180 درجة.
أظنّ بأنّ هذا الأمر هو مفتاح فهم العشرين عاماً الأخيرة لماو. كيف تمّ حلّ هذه النزاعات؟ باستخدام طريقتين متباينتين، الطريقة الأولى كانت: «معالجة المرض من أجل شفاء المريض». كانت هذه هي الطريقة التي استخدمت كذلك خلال «حركة يان آن التصحيحية» في بداية الخمسينيات. لقد هدفت بشكل رئيس، إلى حلّ النزاعات عبر حملات الإصلاح. وبهذا المعنى، تمّ اعتماد «ملصقات الأحرف الكبرى» والاجتماعات الجماهيرية، بوصفها الأدوات الرئيسة لاستهداف قيادات الحزب. كانت الطريقة الثانية: تستهدف القاعدة، والذين خارج الحزب عبر تصيّد الأخطاء. اعتمدت هذه الطريقة على التلاعب بالناس، وإخبارهم عن العدو، وتوجيههم لمهاجمة أولئك المتهمين بكونهم: «رجعيين». ولم يكن هدف الطريقة الثانية «معالجة المرض من أجل شفاء المريض»، بل إسقاط الطرف المعارض. كانت هذه هي منهجيّة «الحملة ضدّ اليمين» أيضاً.
لذلك فإنّ السؤال كيف حاولوا بناء مجتمع اشتراكي حقيقي جديد، يجب أن تتمّ الإجابة عنه ضمن هذا السياق. في غياب هذا السياق، سيبدو كلّ ما حدث خلال حقبة ماو جنوناً.
إذاً كيف أثّر ذلك كله على الحياة اليومية للناس العاديين؟
لقد تأثّر الناس بشكل مباشر وشديد. لنأخذ المصانع كمثال: كيف يقوم المدراء في المصانع والورشات بإدارة عملية الإنتاج؟ إنْ تأخر الإنتاج، فما الذي سيفعلونه لتفادي ذلك؟ الطريقة الرأسمالية في هذه الحالات بسيطة، فهي تستخدم استراتيجيات العصا والجزرة: «إن لم تعمل جاهداً فسأطردك. إن عملت جاهداً فسأمنحك مزايا إضافية»، أو «أنا رئيسك، فاستمع لما أقول وحسب. أنا وظفتك من أجل عضلاتك لا عقلك» الخ... هذا هو النهج الرأسمالي. لكن إن كانت الطبقة العاملة هي من تتسيد المجتمع، فكيف تدير عملية الإنتاج؟ إن كان هنالك مشكلة في الإنتاج، فما الذي علينا القيام به؟ نعقد اجتماعات لمناقشة ما يجري ونجد حلولاً لها. إن كانت الطبقة العاملة هي من تتسيد المجتمع، فسيكون من مصلحة العمّال أن يتخطوا مشاكل عملية الإنتاج. فإن تخطوا هذه الصعوبات، فسيفهمون بأنّ للطبقة العاملة قدرة هائلة على حلّ مشاكلها. إن رأوا بأنّ ما يفعلونه يؤثر بشكل حقيقي على مصالحهم كعمال، فسيطلق هذا العنان لإبداعهم كأشخاص بشكل كبير. كيف استطاع «جيش تحرير الشعب» بالبنادق والعصي أن يهزم اليابانيين و«القوميين»؟ يعود الفضل في ذلك إلى الإيمان الثابت بالهدف المشترك، الإيمان بإسقاط القمع.
وتنسحب القواعد ذاتها على العمل اليومي في المصانع. فإنّ قام المدراء بشكل دائم بإلقاء اللوم على العمّال، كسبب لعدم فاعلية الإنتاج، ولم يحاولوا فهم الجذور المسببة للمشكلة، فسيشعر العمّال بشكل طبيعي، بأنّهم محرومون من حقوقهم. وإن شعر العمّال بأنّهم محرومون، وبأنّهم دون حول ولا قوة، فسوف يركدون، ولن يظهروا أيّة مبادرات. وعندما يواجهون مشكلة، كتعطّل واحدة من الآلات على سبيل المثال، فلن يهتموا. سينظرون للأمر كونه ليس من مشاكلهم. لكن إن امتلكوا الشعور بالانتماء، وإن كان لديهم الحق بانتقاد القادة، وإن كانوا قادرين على صياغة المقترحات حول ما يجب فعله، عالمين بأنّ مقترحاتهم ستؤخذ على محمل الجد، وإن شعروا بأنّهم حقّاً أسياد مصائرهم، فإنّ قدرتهم على تخطي العقبات سوف تتحسن بشكل هائل.
لدينا بعض الأمثلة المعاكسة عن ذلك. كانت دازاي نموذجاً طوره ماو، وهو مألوف لديّ بشكل كبير: لقد ذهبت إلى دازاي مرّات كثيرة، وبقيت هناك لعدّة أشهر. عملت مع الفلاحين هناك، وأقمت في أحيائها. كان بإمكانك أن تشهد في دازاي كيف أنّ العلاقات القويّة، قد حشدت الفلاحين الذين قادوا المناقشات حول كيفيّة تطوير الممارسات الزراعية المتخلفة، وذلك عبر العمالة وحدها، دون توقّع وجود استثمارات أجنبية، أو طلب أيّة آلات، لتؤدي إلى فروقات هائلة، وهذه قصّة كبيرة بحد ذاتها. ذلك على النقيض من مثال آخر هو قرية شياو_ غانغكون التي عززها دينغ بعد «الإصلاح». تعيش في تلك القرية ثمانية عشرة عائلة متشاحنة على الدوام. عندما يصل فرد من إحدى تلك العائلات إلى رأس فريق العمل، يحاول اختلاس ما أمكن من الثروة الجماعية. ويتم الكفاح ضده طوال الوقت لتقويض سلطته وقدرته. عندما يأتي وقت الانتخابات التالية، يقوم الناس باستبدال رأس المجموعة. ثم تعيد الكرة نفسها ليحاول الذي تمّ انتخابه الاختلاس، ويستمرّ النضال ضد سلطته. ما يجري هو مجرّد تغيير بالأدوار، والجماعية لم تعد تستطيع احتمال تلك الطريقة. بعد «الإصلاح» عيّن دينغ شياو بينغ قرية شياو_ غانغكون لتكون هي «النموذج»، كما لو أنّ الصينيين لم يختبروا اقتصاداً فلاحياً صغيراً جداً من قبل، على مدى آلاف السنين. لقد كان هذا الأمر قمّة السخافة.
تمّ إرسال الشباب المتعلمين إلى الأرياف، أو إلى أماكن العمل من أجل تعلّم المعارف من العمّال والفلاحين ضمن حركة «إلى أعالي الجبال وأقصى الريف». لقد شاركت بنفسك أيضاً في هذه العمالة اليدوية في أحد الأوقات. ما الذي تعلمته من تجربتك؟ هل تعتقد حقّاً بأنّ نهج ماو قابل للحياة؟
نعم بكل تأكيد. لكنّ الأمر الأساس هو: أنّ الهدف من الإنتاج في ظلّ الرأسمالية مختلف. مثال: الذين يجرون التحسينات على الأدوات الزراعية، هم غالباً مهندسون يجلسون في مكاتبهم، ويختصون بتصميم الآلات. فالمعرفة تأتي من الخبرة التي تعدّ مصدر كامل الأفكار. يمكن للمتعلمين والمهندسين الرأسماليين أن يحسنّوا هذه المعرفة، وقد لا يستطيع عمّال المصانع الحاصلون على تعليم عادي، أن يصوغوا نظريات التحسين بشكل جيّد. لكن أيضاً وكما تبيّن التحليلات الحديثة، تعدّ الخبرة المتراكمة للعمّال مصدراً رئيسياً للمعرفة.
هذا هو بالتحديد، السبب الذي جعل ماو يدافع عن تثقيف العمال، وخرط المثقفين في العمل اليدوي. لقد كان مزج هذين الأمرين شيئاً مهماً. ونعم كلامك صحيح، فنظرية المعرفة مهمّة، لكن من عملي وخبرتي في الولايات المتحدة، والصين، أثناء فترة وجود ماو، أرى بأنّ النقطة الأهم هي هدف الإنتاج. ففي الولايات المتحدة كان العمّال لا يقترحون أيّ تطوير تكنولوجي على الإدارة، لخوفهم أن يخسروا عملهم بسببها. حتّى أنّ العمال كانوا يخربّون الآلات وعمليات الإنتاج، لكونهم ليسوا في الصف ذاته مع مدراءهم. وما التعبير الرأسمالي «جميعنا في نفس القارب» الذي يقصد به أن خسارة الشركة ستؤدي لخسارة العمّال لوظائفهم، إلّا وجه واحد للعملة. فالعمّال يفكّرون: سوف نخسر عملنا قبل أن يخسر الرأسماليون أموالهم، ولهذا فهم ليسوا في نفس القارب.
أمّا في الصين الماوية، كان هدف الإنتاج مختلفاً كلياً. لم يكن بإمكان القادة أن يخفضوا أجرك أو يطردوك. كان بإمكان العمال أن يرفضوا القيام بعمل يطلبه منهم المدراء، إن هم ارتأوا بأنّه غير صحيح. كان هنالك بالتأكيد إجراءات انضباطية وتأديبيّة، لكن الفكرة التي حكمت، هي: أنّ الناس في أماكن العمل يفعلون الأشياء مع بعضهم البعض. كان بإمكان المدراء توجيه العمّال، ولكن على هذه التوجيهات أن تكون معقولة. فلو كان المدير يجلس في مكتبه، ويشرب شايه، وهو يقرأ الجريدة ويعطي العمال التوجيهات، كان بإمكانك أن تقول له: «اخرج من هناك وتعال اعمل معنا»، وكان هذا أحد حقوق العمال.
وكان يجب أن يوافق العمال على من سيصبح مديرهم، ليس بطريقة الانتخابات السياسية ذاتها، ولكن كان يمكن للعمال أن يطالبوا باستبدال مديرهم، وإن لم تتمّ الاستجابة لطلبهم، كان من حقهم الإضراب، أو تخفيض الإنتاج. لذا على كلّ من أراد أن يكون فاعلاً، أن يتحصّل على موافقة العمال، وكان هذا هو الفرق الأساس بين أسلوب الإنتاج الرأسمالي والاشتراكي. كان هذا مصدراً للحافز لدى الناس ليشاركوا في تحسين عملية الإنتاج. أتذكر كيفيّة تقديم العمّال لاقتراحاتهم. كان الناس يمتلكون آراءً مختلفةً عن كيفيّة تولي الأمور. في بعض الأحيان، مثلما حدث أثناء «الثورة الثقافية»، أضحى بعض الفرقاء عدائيين، ودخلوا في نزاع مسلح في بعض الأماكن، لكنّ هذه قصّة أخرى.
دور العمال في العملية الإنتاجية
يقول بعض الناس: إنّ العمّال لم يكن لديهم أيّة سلطة في عهد ماو، لكنني أرفض هذا القول. فواقع أنّ الصراع بين الفرقاء قد حدث، وتطوّر في بعض الأحيان إلى نزاع مسلح، يُظهر بأنّ الطبقة العاملة كانت تملك السلطة. فدون الطبقة العاملة في السلطة، لم يمكن ممكناً بالنسبة للمنظمات الشعبية أن تدخل في صراع على إدارة المصانع. إن صراع الفرقاء لم يكن أمراً جيداً بكل تأكيد، وربّما كان أكثر الأشياء المدمرة بالنسبة للطبقة العاملة، لكنّه يثبت بأنّ الطبقة العاملة قد حصلت على السلطة أيام ماو. من جهة أخرى ثمة فرق جوهري، بين النهج الرأسمالي، وبين النهج الماوي، في معالجة مشاكل زيادة الإنتاج، وهو متجذر بشكل عميق في النظرية المعرفيّة للنهج الماوي، الذي يفترض: أنّ العمّال يملكون المعرفة بالواقع الاجتماعي، وأنّهم مؤهلون لأخذ دورهم في عملية الإنتاج. بينما النهج الرأسمالي، وهو الذي يدافع عن الاستنساخ المستمر، للتفريق بين العمالة اليدوية، والعمالة الفكرية، هو مختلف بالكامل.