تفشي العلل النفسية:نحن عقلاء والرأسمالية مجنونة
الشيء الوحيد الذي يثير القلق أكثر من مدى انتشار هذا «الوباء» هو أننا قادرون على الوقاية منه. ويعود ذلك إلى الترابط الكبير بين الظروف الاجتماعية والبيئيّة، وانتشار الاضطرابات النفسيّة. وقد كتب ريتشارد بينتال، بروفسور علم النفس السريري في جامعة ليفربول، وبيتر كيندرمان، رئيس جمعية علم النفس البريطانية، بشكل مقنع عن هذه الترابطات خلال السنوات الأخيرة، ليجذبا الانتباه بشكل شديد إلى «المحددات الاجتماعية لرفاهنا النفسي»، حيث لاحظ كيندرمان بأنّ «الأمر لا يقتصر على وجود محددات اجتماعية، بل على أهمية هذه المحددات الشديدة».
تعريب: عروة درويش
مجتمع مريض
ينظر اليوم إلى تجارب العزلة الاجتماعية واللامساواة ومشاعر الاغتراب والتفكك وحتّى الافتراضات الأساسية والأيديولوجية المادية والنيوليبرالية نفسها على أنّها محفزات مهمة، تنعكس في عناوين عددٍ من المقالات والأحاديث الأخيرة حول هذا الموضوع. مثل تلك التي قام بها الاستشاري النفسي ديفيد مورغان، وهي عبارة عن مواد إذاعيّة تحليليّة شملت مناقشات حول ما إذا كانت «النيوليبرالية خطرة على صحتك النفسية»، و«هل تجعلنا النيوليبرالية مرضى؟».
يلاحظ عالم النفس السريري والمعالج النفسي جاي واتس، في مقال في صحيفة «الجارديان» بأنّ «العوامل النفسية والاجتماعية هي بذات أهمية بقية العوامل، وهي تشكّل بالنسبة للكثيرين السبب الرئيس للمعاناة. فالفقر، واللامساواة النسبية، والخضوع للعنصرية والتحيّز الجنسي، والتشريد، والعيش في ظلّ ثقافة تنافسية، تزيد جميعها من احتمال المعاناة النفسية. لا تهتمّ الحكومات وشركات الأدوية بهذه النتائج، بل تفضّل إنفاق الأموال على الدراسات التي تبحث في الأسباب الوراثيّة والعوامل الحيوية الفيزيائية، كأسباب معاكسة للأسباب البيئية للكرب. وبالمثل، لا تتجه الإرادة السياسيّة لقبول الربط بين العلل النفسيّة المتزايدة وبين اللامساواة البنيوية، وذلك رغم الارتباط القوي واعتقاد العديد من المختصين بأنّها التفسير الأمثل من أجل معالجة جائحة الصحّة العقليّة الحاليّة.
من الواضح أن هناك مصالح وجذور وأجندات قوية جداً هنا، والتي تعمل بوعي أو دون وعي لإخفاء أو محاولة إنكار هذه العلاقة، والتي تجعل أيضاً من الرغبة السائدة بين الكثير من المحللين والمعالجين النفسيين لاعتماد هذا السياق الأوسع أمراً مثيراً ومؤثراً.
العُصاب في كل مكان
لعلّ أحد أكثر الأمثلة وضوحاً عن هذه العلاقة الحميمة بين الرأسماليّة والضائقة النفسية هو انتشار العُصاب. فكما لاحظ جول كوفل، المعالج النفسي السابق وبروفسور العلوم السياسيّة: «إنّ السمة الأكثر لفتاً للنظر في العصاب في ظلّ الرأسمالية هو انتشاره في كلّ مكان». وقد أشار كوفل في إحدى مقالاته إلى أنّ: «العبء الهائل من البؤس العصابي المنتشر بين الناس، هو الحِمل الذي يفشي باستمرار وبشكل واضح أسرار الأيديولوجية الرأسماليّة، التي تؤكّد بأنّ الحضارة السلعية تعزز السعادة البشرية... إذاً، ورغم كلّ هذه العقلنة والراحة والمرح والاختيار، فالناس لا يزالون بائسين وغير قادرين على الحب، أو الإيمان، أو الشعور ببعض الكرامة في حياتهم. وقد يبدؤون أيضاً بالاستنتاج بأنّ شيئاً ما كان يسير بشكل خاطئ جداً في النظام الاجتماعي».
هنالك أيضاً بعض الأعمال الرائعة التي أنجزها مؤخراً إيلي زاريتسكي، مؤلف كتاب «فرويد السياسي»، وبروس كوهين، مؤلف كتاب «الهيمنة النفسية»، واللذين كتبا عن العلاقات بين الأسرة والحياة الجنسية، والرأسمالية في جيل العصابيين.
وكمثال: من المثير أنّ أحد أبرز ملامح المشهد النفسي الذي واجهه فرويد في فيينا في أواخر القرن التاسع عشر كان العصاب، والذي قال كوفل بأنّ فرويد رآه مستمراً باتساق مع التطور «الطبيعي» في المجتمعات الحديثة. حيث أضاف بأنّ الكثير من ذلك متجذر في تجربتنا الحديثة عن الاغتراب. يقول كوفل: «العصاب هو الاغتراب الذاتي لتابعٍ تمّ إعداده للحريّة، ولكنّه يعاني من تاريخ شخصي».
ماركس: المحلل العظيم للاغتراب
كان ماركس بكل تأكيد هو المحلل العظيم للاغتراب، مبيناً كيف يولّد الاقتصاد الرأسمالي الاغتراب كجزء من نسيجه وبنيته الأساسية - حيث يتبدّى الاغتراب على سبيل المثال في: «الخسارة» و«الوقوع في الشرك» المتجسد في المنتجات والسلع – بدءاً من الأشياء الواضحة (كمنتجات نايك المصنّعة في المصانع الاستغلالية، ومصانع الاستغلال التي تجسدها نايك)، إلى شعور أوسع وأكثر انتشاراً بأنّ نظام الإنتاج والإبداع يغرّبك بطريقة أو بأخرى.
وكما صرّح بافون كيلار في كتاب «الماركسية والتحليل النفسي»: «كان ماركس أوّل من أدرك أنّ هذا الاغتراب يتم تضمينه وتجسيده بالأشياء – في السلع». وقد أضاف: بأنّ هذه «السلع المضللة» تبدو وكأنّها تقوم عند استهلاكها بالاحتفاظ وبالوعد بأن تعيد ذلك الجزء الاجتماعي-الذاتي الذي خسره المغتربون أثناء إنتاجهم لها: «لقد خسر المغتربون ما تخيلوا (أو أملوا) وجوده في ما تمّ إضافة الوهم المضلل له».
إنّ فهم الاغتراب هذا هو المسألة الجوهرية لدى ماركس. ربّما يعرفه الناس اليوم بنظرياته عن رأس المال: عن كيفيّة ظهور وتقولب مسائل الاستغلال والربح والسيطرة في الرأسمالية، لكنّ الأمر الأكثر أهمية لدى ماركس برأيي، وهو الأمر الذي يتمّ تجاهله، أو إساءة فهمه باستمرار، هو وجهة نظره عن مكانة وأهميّة الإبداع والإنتاج البشري. إنّ «طاقة الإنتاج الهائلة» للإنسان كما دعاها بنفسه، هي ذاتها التي تطرّق لها الشاعر والرسام الإنكليزي، وليم بليك، في وقت مبكر من ذلك القرن.
يشير ماركس إلى هذه الطاقة والواسطة الاستثنائية التحويلية العالمية بمصطلحات: «حياة الكائنات النشطة» و«كينونة الأنواع» و«طاقاتنا الروحية والجسدية». ولكنّه لاحظ بأنّه يتمّ سلب هذه الطاقات الإبداعية الهائلة، والقدرات التحويلية منّا بسرعة، في ظلّ النظام الحالي، ويتمّ تحويلها إلى شيء غريب وموضوعي واستعبادي ومضلل.
إعادة هيكلة الرغبة
الصورة التي أثارت نبض الحياة هي لأمّ تلد – ربّما شكل آخر من العمالة – حيث يتمّ أخذ الطفل على الفور وتحويله إلى شيء غريب آخر، إلى شيء كالدمية، إلى سلعة. هذا بالنسبة لماركس هو مصدر التغريب والتوتّر، وهو نوع من التفكيك العميق لروح الإنسان، وهو ما يوصّف الرأسماليّة الصناعية. وكما يرينا بافون كيلار، فنحن غير قادرين على شراء طريقنا للخروج من اغترابنا – عبر إنتاج المزيد من اللعب والمزيد من الدمى– لأنّ ذلك هو المكان الذي يحدث فيه التغريب، وهنالك يتمّ تجسيده وتوليده.
يتمّ الاعتراف اليوم على نطاق واسع بأنّ النزعة الاستهلاكية والمادية هي بنفسها من تؤدي بشكل رئيس إلى مجموعة كاملة من مشاكل الصحّة النفسية، بدءاً من الإدمان ووصولاً إلى الاكتئاب. كما يلاحظ جورج مونبيوت: «إنّ شراء المزيد من الأشياء يرتبط بالاكتئاب والقلق، والعلاقات المكسورة. إنّه أمرٌ مدمرٌ اجتماعياً ومدمرٌ ذاتياً». وقد كتبت الطبيبة النفسية المختصّة بالتحليل النفسي، سو غيرهاردت، بشكلٍ مقنعٍ جداً عن هذه الرابطة، قائلة: بأننا غالباً في المجتمعات المعاصرة «نخلط بين الرفاه المادي والرفاه النفسي». لقد أظهرت في كتابها «المجتمع الأناني» كيف أعادت الرأسمالية الاستهلاكية تشكيل عقولنا بقسوة وبنجاح، وأعادت تشكيل أنظمتنا العصبية على شاكلتها. ولاحظت: «أنّنا بتجاهلنا دورها في إعادة هيكلة وتسويق الرغبات والدوافع، نفوّت علينا معرفة كنه الرأسماليّة الحقيقي».
مضطربو السجون...
ومضطربو البورصة
يمكننا بكل تأكيد الحديث عن جانب رئيسي آخر للرأسمالية ولتأثيرها على الاعتلالات النفسية هو اللامساواة. إذ أن الرأسماليّة نظامٌ لتوليد اللامساواة بقدر كونها نظاماً لتوليد الاعتلالات النفسيّة. فكما أشار تقريرٌ صادرٌ عن الكليّة الملكية للأطباء النفسيين: «اللامساواة هي أحد المحددات الرئيسة للاعتلال العقلي: فكلما زاد مستوى اللامساواة، كلما ساءت العاقبة الصحيّة. يواجه الأطفال المنتمون إلى أسر فقيرة ثلاثة أضعاف مخاطر الإصابة بعلّة عقلية بالمقارنة بالأطفال المنتمين إلى أسر ثريّة. يرتبط الاعتلال النفسي بشكل مستمر بالحرمان وبانخفاض الدخل وبالبطالة وبالتعليم الرديء، وبالصحّة الجسدية السيئة، وبزيادة مخاطر السلوك على الصحّة».
وقال بعض المعلقين بأنّ الرأسمالية نفسها، كوسيلة للكينونة أو كطريقة للتفكير بالعالم، يمكن أن يُنظر إليها على أنها نظام «مضطرب» أو معتل. فكما لاحظ عددٌ من المحللين: إن هنالك بالتأكيد توافقاً صارخاً من نوع ما بين النظم المالية المعاصرة والشركات الحديثة والأفراد الذين تمّ تشخيصهم باعتلال نفسيّ سريري.
وكمثال: روبرت هير هو أحد المصادر الرائدة في العالم للاستدلال على وجود الاعتلال النفسي، وهو مؤسس «قائمة فحص هير» المعترف بها على نطاق واسع، والمستخدمة للوقوف على الاعتلال النفسي. قال هير لمحاوره جون رونسون: «لا ينبغي لي أن أجري بحثي فقط في السجون. كان يجب أن أمُضي بعض الوقت داخل البورصة أيضاً». لكنّ المحاور سأله: «لا يمكن للمضاربين في سوق الأوراق الماليّة أن يكونوا بسوء القاتلين المتسلسلين المرضى نفسياً، فهؤلاء يدمرون الأسر». فهزّ هير كتفيه وأجاب: «الشركات والحاكمون... مضطربون نفسيون يدمرون الاقتصادات. إنّهم يدمرون المجتمعات».
المؤسسات المعتلّة
يتمّ تضمين هذه الصفات، كما قال جويل باكان ببراعة في كتابه «الشركة»، في البنية الأساسية للشركات المعاصرة، كجزء من حمضها النووي ومن طريقة عملها. لقد قال: «يمكن ترجمة تعريف الشركة القانوني إلى أنّها تسعى، بلا هوادة أو استثناء، إلى تحقيق مصلحتها الخاصّة بغضّ النظر عن العواقب المؤذية التي قد تسببها للآخرين». وبالتالي، فإنّ الشركة تبعاً للتعريف القانوني لها هي «مؤسسة معتلّة». ويضع باكان بشكل مفيد قائمة للصفات التشخيصيّة لاعتلالها الافتراضي (نقص التعاطف، والسعي لتحقيق المصلحة الخاصّة، وهوس العظمة، والضحالة، والعدوانية، واللامبالاة الاجتماعية) ليظهر مدى موثوقيّة تشخيص اضطراب الشركة كمريض نفسي.
لماذا يجب على جميع هذه الممارسات والعمليات الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة أن تولّد الكثير من العلل والكثير من الاضطرابات؟ أعتقد بأننا نحتاج كي نجيب على هذا السؤال إلى النظر إلى الوراء إلى مشروع التنوير الأوسع، وإلى النموذج النفسي للإنسان الطبيعي الذي نشأ عنه. خرجت الرأسمالية الحديثة من مفاهيم القرن السابع عشر، عن أنّ الإنسان نوعٌ من الذات المتفككة المتقطعة المنهزمة، ذاتٌ تدفعها المنافسة والمصلحة الذاتية العقلانية ضيقة الأفق. هذا هو مفهوم الإنسان الاقتصادي الذي حرّك وأمّن على كامل مشروع التنوير، ومن ضمنه النموذج الاقتصادي. كما لاحظ إيان ماكغيلكريست: «إنّ الرأسماليّة والاستهلاكية، بوصفهما طريقين لتصوّر أنّ العلاقات الإنسانية مبنيّة على أكثر بقليل من النفعيّة والجشع والمنافسة، جاءا ليحلا محل تلك التي كانت قائمة، والمبنيّة على الشعور بالارتباط والاستمرارية الثقافية».
نحن نعرف الآن كم أنّ هذا النموذج من الذات خاطئ ومدمر. إنّ الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب في «الدماغ الاجتماعي»، جنباً إلى جنب مع التطورات المثيرة في نظرية التعلّق وعلم النفس التنموي وعلم أعصاب التبادلي الحديثين، تعدّل وتحدّث بشكل مهم وجهة النظر القديمة والغريبة عن الفرد «العقلاني» المعزول. كما أنّها تكشف عن فهم أكثر غنى وتطوراً للتنمية والهوية البشرية، عبر زيادة معرفتنا بالذاتية المشتركة لنصف الدماغ الأيمن، وبالعمليات غير الواعية، وبالسلوك المجموعاتي، وبدور التعاطف والتعقيل في نمو الدماغ، وأهمية البيئة والتنشئة في النمو العاطفي والمعرفي.
وكما لاحظ عالم الأعصاب ديفيد إيغلمان، فإنّ الدماغ البشري نفسه يعتمد على أدمغة أخرى من أجل وجوده ونموه. ويلاحظ إيغلمان بأنّ مفهوم «الأنا» يعتمد على واقع «النحن»: «نحن كائن حيّ خارق ضخم، شبكة عصبية تشكل جزءاً من شبكات عصبية أكبر بكثير. أدمغتنا متشابكة بشكل جوهري بحيث لا يمكن تحديد أين يبدأ هذا التشابك وأين ينتهي. إنّ تحديدك الأنا له كلّ العلاقة بتحديد النحن. ليس هنالك مهرب من الحقيقة المحفورة في دوائرنا العصبية: نحن يحتاج بعضنا البعض».
يكمن بالتالي الاعتماد على الغير في بنيتنا الأساسية ككائنات اجتماعية وبيولوجيّة، وهو ثابت في وحدة معالجتنا المركزية: الأمر تماماً كما في عبارة لويس كوزولينو الآسرة: «عندما يصبح الحبّ جسداً». يلاحظ كوزولينو: «ليس هنالك وجود لدماغٍ منفرد، فالدماغ يوجد فقط داخل شبكة من الأدمغة الأخرى». لقد وصف البعض هذا الفهم العصبي والعلمي الجديد للأنماط العميقة للاعتماد المتبادل وللتعاون المشترك وللعقل الاجتماعي: «الماركسية العصبية»، بسبب ما يترتب عليها من آثار.
رحم الرأسمالية مولِّد لأمراضنا
غالباً ما يتحدث المعلقون عن المجتمع والسياق الاجتماعي والتفكير الجماعي والمحددات البيئية المرتبطة بالاضطرابات والاعتلالات العقلية، لكن يمكننا في الواقع أن نكون أكثر دقّة قليلاً بشأن أيّ من الجوانب الاجتماعيّة، هو المحرك والمسؤول الرئيس عن ذلك. يمكننا في هذا السياق أن نتحدث عن الكلمة التي يتحرّج الجميع من استخدامها: الرأسمالية.
يبدو أنّ الكثير من الأشكال المعاصرة للاعتلال والضيق الفردي الذي نعالجه ونتشاركه يرتبط ارتباطاً وثيقاً، ويتمّ تعزيزه، عن طريق عمليات ومحصلات الرأسمالية. في الواقع، يمكننا أن نجزم بأنّ الرأسمالية، في كثير من النواحي، هي نظامٌ لتوليد الأمراض العقلية. وإن كنّا جادين في علاج أسباب الاضطرابات والاعتلالات العقلية، وليس آثارها فقط، فنحن نحتاج أن ننظر عن قرب أكثر، وبشكل محدد أكثر، وبشكل تحليلي أكثر إلى طبيعة الرحم الاقتصادي والسياسي الذي أنجبها، وإلى الطريقة التي يتشابك بها علم النفس بشكل جوهري مع كامل جوانبها.
عالم الرأسمالية... لا «عالم المرضى»
الرأسماليّة متجذرة في نموذج معيب وساذج وبالٍ عمّا يعود إلى القرن السابع عشر. يحاول هذا النموذج أن يجعلنا نعتقد بأنّنا كينونات معزولة ومستقلة بذاتها ومنفصلة وتنافسيّة وغير مرتبطة بالبيئة، أي كينونات متفككة بلا رحمة كنتيجة. لا يمكننا أن نحصي الأضرار التي ألحقتها هذه النظرة بنا وبأطفالنا.
يعتقد كثيرٌ من الناس، ويتمّ تشجيعهم على هذا الاعتقاد، بأنّ هذه المشاكل والاضطرابات (الذهان، والفصام، والقلق، والاكتئاب، وإيذاء النفس) هي أعراض من «عالم المرضى»، خاصّة به وليست من العالم العادي. ويسأل توم سيفرسون: «ماذا لو كانت مشاكلك العاطفية ليست مشاكلك الخاصّة؟ ماذا لو كانت هذه المشاكل مشاكلنا جميعاً؟ ماذا لو كانت المشكلة الحقيقية بأننا نعيش في مجتمع خاطئ؟ ربّما كان أدورنو على حق عندما قال: لا يمكن عيش الحياة الخاطئة بشكل صحيح».
يبدو بأنّ جذور هذا «العيش الخاطئ» هي أنّنا نعيش في نظام اقتصادي- اجتماعي يناقض علم نفسنا وأعصابنا، ويناقضنا ككائنات اجتماعية. وكما قلت في كتابي: نحن بحاجة أن ندرك بأنّ عالمينا الداخلي والخارجي يتفاعلان ويشكلان بعضهما البعض باستمرار وبعمق. ولهذا، وبدلاً من فصل فهمنا للممارسات الاقتصادية والاجتماعية عن فهمنا لعلم النفس والتطور البشري، فنحن بحاجة جمعهما معاً مواءمتها. وكي يحدث ذلك، فنحن بحاجة حوار جديد بين العالمين الشخصي والسياسي، ونموذج متكامل جديد للصحّة النفسية، وسياسة جديدة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 825