«بوكو حرام»: جهاز إرشاد «CIA» في أفريقيا؟
تخوض الفاشية الجديدة حرباً لا هوادة فيها ضد شعوب العالم، ويسعى الغرب الإمبريالي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إحراق مناطق محدَّدة. في أوكرانيا وكانت مجموعات «الذراع الأيمن» جاهزة لتنفيذ المهمة، في وقتٍ تكفلت فيه «داعش» بمساحة واسعة من منطقتنا، وتظهر «بوكو حرام» كذراع فاشي في أفريقيا.
توضح هذه المقالة أهم الأسباب التي جعلت من بلد مثل نيجيريا نقطة ارتكاز للمشروع الغربي الذي اعتمد على «بوكو حرام» كحامل له في وسط القارة الأفريقية.
ترجمة: جيهان الذياب
تبدو أهداف الوجود العسكري الأميركي في أفريقيا موثَّقة بشكل جيد، وتتمثل في مواجهة النفوذ الصيني، والسيطرة على المواقع الاستراتيجية والموارد الطبيعية بما في ذلك احتياطيات النفط، هذا ما أكدته وزارة الخارجية الأمريكية منذ أكثر من ثمان سنوات
الثوابت الأمريكية.
وأسئلة غير هامشية
في عام 2007، علَّق مستشار وزارة الخارجية الأمريكية، الدكتور بيتر فام، على الأهداف الاستراتيجية للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا واصفاً إياها بأنها «حماية الوصول إلى النفط والغاز، وغيرها من الموارد الاستراتيجية الوافرة في أفريقيا، وهي مهمة تشمل حماية الثروة الطبيعية وضمان عدم تمكن أطراف ثالثة أخرى، مثل الصين والهند واليابان وروسيا، من الحصول على الاحتكارات أو أي معاملة خاصة».
وفي بداية شهر شباط، دعا المدير العام للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا، الجنرال ديفيد رودريغيز، إلى حملة تقودها الولايات المتحدة على نطاق واسع لـ«مكافحة التمرد» ضد مجموعات في غرب أفريقيا. كما قال الجنرال جوزيف فوتيل، قائد العمليات الخاصة الأميركية «سوكوم» مؤخراً: «يجب على فرق الكوماندوس في الولايات المتحدة الاستعداد للانتشار من جديد ضد بوكو حرام والدولة الإسلامية».
يجري الآن إرسال المزيد من القوات من بينين والكاميرون والنيجر ونيجيريا وتشاد للقتال ضد «بوكو حرام». هذه الحرب الجديدة على التشكيل الإرهابي الغامض الجديد في أفريقيا، تذكرنا بفشل بروباغندا «كوني» الدعائية عام 2012 التي ترتدي لبوس المثل الإنسانية. حيث يتم استخدامها لتجنب معالجة مسألة ضحايا الحرب على الإرهاب، والأسباب الحقيقية للإرهاب وتبرير غزو عسكري آخر. صحيح أن «بوكو حرام» تسببت بسقوط الكثير من الضحايا، ولكن بالتأكيد هدف التدخل الغربي في أفريقيا ليس نجدة هؤلاء الضحايا.
إن الصراع الأكثر دموية في العالم، منذ الحرب العالمية الثانية، والذي ما يزال مستعراً يجري في الكونغو دون أدنى اهتمام من «النخبة» الغربية ووسائل إعلامها. وهذا وحده يدل على أن التدخلات العسكرية لا تهدف لإنقاذ الأرواح. ولكي نفهم لماذا يركز الإعلام على «بوكو حرام»، نحن بحاجة إلى معرفة ماهية هذا التنظيم، ومن يقف وراءه، وما هو السياق الأساسي له، وما المصالح التي يخدمها؟ هل «بوكو حرام» عملية سرية أمريكية أخرى؟
«بوكو حرام»: نشأة وفق المصلحة الأمريكية
تأسست «بوكو حرام» في شمال شرق نيجيريا، البلد الأكبر اقتصادياً والأكثر سكاناً في أفريقيا. وتعتبر نيجيريا أكبر منتج للنفط في القارة، حيث تمتلك 3.4٪ من احتياطيات العالم من النفط الخام. إذ تكمن في نيجيريا أعظم جائزة للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا، وطريقها إلى تثبيت هيمنتها في أفريقيا تمر عبر نجاحها في الدولة الإفريقية الأكثر استراتيجية: نيجيريا، حيث توجد «بوكو حرام»، وحيث تظهر تنبؤات على نطاق واسع في مجلس الاستخبارات الأمريكية بإمكانية تفكيك نيجيريا في نهاية عام 2015.
قدمت نيجيريا المساعدة إلى بلدان أفريقية عدة في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، بتحدٍ واضح ومعارضة لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، مما أدى إلى انتكاسة للـ«مبادرة» الغربية في أفريقيا في ذلك الوقت. حيث استخدمت نيجيريا نفوذها في المنطقة، من خلال قيادة المجمع الاقتصادي لمجموعة المراقبين من دول غرب أفريقيا «إيكوموغ»، والجيش الذي يتكون من جنود تابعين لمختلف البلدان الأفريقية والمؤسس من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس». حيث تدخل هذا الجيش في الحرب الأهلية الليبيرية في التسعينيات (تأسست ليبيريا في عام 1821 من قبل الولايات المتحدة وبقيت تحت قيادة أمريكية ليبيرية لأكثر من قرن).
القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم تكن مستعدة للسماح للأفارقة بتشكيل جيش متعدد الجنسيات دون أن يكون لها دوراً قيادياً في إدارته. فتشكلت في عام 2000 جمعية حقوق المواطن «أكري»، التي أصبحت فيما بعد «أفريكوم/ القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا»، لاحتواء نفوذ نيجيريا، ومواجهة فريق المراقبين العسكريين الأفارقة «إيكوموغ»، وبالتالي منع ظهور قوة عسكرية بقيادة أفريقية من الظهور. ووفقاً لتقارير «ويكليكس»، تعمل السفارة الأمريكية في نيجيريا بمثابة: «قاعدة عمليات للقيام بأعمال واسعة وبعيدة الأهداف لتخريب نيجيريا، ولا تقتصر على التنصت على اتصالات الحكومة النيجيرية والتجسس المالي على القياديين النيجيريين، بل دعم وتمويل الجماعات التخريبية والمتمردين، ورعاية الدعاية للانقسام بين المجموعات المختلفة في نيجيريا واستخدام الابتزاز لحث وإجبار المسؤولين النيجيريين الكبار على التصرف لخدمة مصالح الولايات المتحدة».
مراحل ثلاث والهدف ثابت
يكشف تقرير تحالف «غرين وايت»، حول «بوكو حرام»، عن خطة من ثلاث مراحل لدى «مجلس الاستخبارات القومي للولايات المتحدة» لجعل نيجيريا باكستان أخرى، وذلك بتدويل الأزمة وتقسيم البلاد بتفويض من الأمم المتحدة. حيث «تتوقع» هذه الخطة تفكيك نيجيريا في عام 2015. ومن الجدير التحدث بالتفصيل عنها:
إن تقرير «مجلس الاستخبارات القومي» هو عبارة عن بيان مشفر يكشف كيفية تخطيط الولايات المتحدة لتقطيع أوصال نيجيريا في نهاية المطاف، باستخدام مخطط لزعزعة الاستقرار.
المرحلة الأولى: تحويل نيجيريا إلى باكستان أخرى، مع فرض «بوكو حرام» كواقع وجودي. إذ سيكون معدل التفجيرات والهجمات على المباني العامة مرشحاً للتصاعد في الأشهر القادمة، والهدف هو تفاقم التوتر والشك المتبادل بين أتباع الديانتين في نيجيريا، والتي ستؤدي إلى العنف الطائفي.
المرحلة الثانية: تدويل الأزمة. إذ سيكون هناك دعوات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لوقف العنف. ولمزيد من التأثير، ستكون هناك تغطية كبيرة من قبل وسائل الإعلام الدولية حول الأزمة النيجيرية مع ما يسمى الخبراء لمناقشة جميع التداعيات التي سيسعون جاهدين خلالها لخلق الانطباع بأن التدخل الأجنبي فقط هو الذي سيحل الأزمة.
المرحلة الثالثة: الدعوات لوضع البلاد تحت وصاية الأمم المتحدة. حيث سيكون هناك مقترحات، أولاً للحصول على قوة حفظ سلام دولية للتدخل والفصل بين الجماعات المتحاربة، وربما تفويضاً من الأمم المتحدة لوضع أجزاء مختلفة من نيجيريا تحت انتداب سلطات الاحتلال المقررة.
*جولي ليفيسك: كاتبة وباحثة كندية لها العديد من المقالات ذات الشأن الاستراتيجي وناشطة في مجال حقوق الإنسان.
عن موقع «غلوبال ريسيرتش» بتصرف
ما الذي تسعى له الولايات المتحدة في أفريقيا؟
أظهرت عقود من التاريخ أنه عندما يتعلق الأمر بالتدخل الخارجي، فإن النوايا المعلنة للجيش الأمريكي ليست أبداً هي النوايا الحقيقية. فهو لا «ينقذ» الأرواح البشرية بل ينفذ مصالح بلاده فقط. إذ أن التدخلات التي تقودها الولايات المتحدة منذ بداية القرن قتلت مئات الآلاف، إن لم يكن أكثر من مليون شخص بريء، كما أن تحالف الولايات المتحدة و«الناتو» وحلفائهما في الشرق الأوسط، قد قاموا بطريقة أو بأخرى، بتسليح وتدريب وتمويل كل هذه المجموعات، بما في ذلك «بوكو حرام» و«الدولة الإسلامية».
يدعو الغرب إلى التدخلات العسكرية التي لا نهاية لها، ويتجاهل الأسباب الحقيقية للإرهاب، أي رغبته بالتوسع، وبالتالي تكون نيته الحقيقية: تأجيج الإرهاب لزعزعة استقرار الدول وتدميرها، وبالتالي تبرير الغزو العسكري للحصول على أغنى الأراضي في القارة الأفريقية بحجة إنقاذ العالم من الإرهاب.