العسكرة اليابانية - الأمريكية ذريعة لحرب جديدة في المحيط الهادئ؟!
يُعتبر رفض البيت الأبيض الاعتراف بمنطقة الدفاع الجوي الصينية ردّ فعلٍ غير محسوب، يكشف جهلاً مذهلاً بالقضايا التاريخية والقانونية والجيوسياسية في آسيا والمحيط الهادئ
ترجمة وإعداد : نور طه
لم تهدف اتفاقية التعاون الأمني المشترك* بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها اتفاقاً دفاعياً لـ»حماية اليابان من الغزو الأجنبي»، إلى تسوية النزاعات الحدودية مطلقاً. كمسألة جزر «سينكاكو - دياويو» المُتنازع عليها مع الصين، والصراع مع كوريا الجنوبية على جزر «تاكيشيما - دكدو»، ومطالبتها روسيا بجرز «الكوريل». وفي هذا السياق، يتعيّن على الولايات المتحدة عدم حشر أنفها الطويل في هذه القضايا والمسائل الثنائية ذات النطاق المحلي المحدود. كما يتوجّب على اليابان - بالمقابل - ألا تتدخل عسكرياً في المشاكل الحدودية بين أمريكا والمكسيك.
إذا قامت اليابان بالاعتراف بعدم وجود أي نزاع على الجزر مع الصين، فهذا سيكون كفيلاً بمنع الولايات المتحدة مما تقوم به الآن من ترويج للحرب بينهما، ولكن اليابان تستمر في ادعائها بأن بكين تقوم باستغلال قضية الجزر هذه لتهيمن على عمليات استكشاف الطاقة في قاع البحر، وبأن رياح النزاع هذا ستتحول عاجلاً إلى «عاصفة صيفية». ويتناقض هذا الموقف الدبلوماسي لليابان مع ما تقوم به من إرسال سفن حربية وطائرات مقاتلة إلى المياه والأجواء المحيطة بها. ومن الجدير بالذكر أن اليابان أقامت منطقة دفاعٍ جوي خاصةً بها، مقتديةً في ذلك بخريطة المجال الجوي التي وضعتها قوة الاحتلال الأمريكية في عام 1945.
بالعودة إلى خلافها مع الصين حول الجزر، لم يقف ادّعاء اليابان عند مجموعة «الأحجار العارية» هذه فحسب، بل امتد ليشمل مساحة واسعة في داخل الجرف القاري والتي تدّعي - بالمقابل - كل من الصين وكوريا الجنوبية ملكيتها لها. حيث قامت هاتان الدولتان برفع مذكرة تتضمن موقفاً مشتركاً وشكوى إلى الأمم المتحدة ضد اليابان بسبب تعدّيها على الجرف القاري.
اليابان تخشى محكمة العدل الدولية
إن أسرع الحلول للنزاع القائم على الجزر المذكورة، بالإضافة إلى التداخل في مناطق الدفاع الجوي، يتمثّل في تحويل هذه القضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهي المحكمة المعنية بحل الخلافات الحدودية بين الدول، حيث تطلب هذه المحكمة من الأطراف المعنية ذات السيادة بالقبول باختصاصها والالتزام بأحكامها. لكن اليابان مازالت مصرة على رفض تحويل خلافها مع الصين إلى المحكمة الدولية، الأمر الذي يدلّ على ضعف جدّي في مزاعمها الإقليمية في ظل القانون الدولي القائم.
وبالتالي، فإن الولايات المتحدة تدعم الطرف الخاسر - اليابان - أمام قانون الأمم المتحدة للملاحة، عبر تقديم المساعدة لها في السيطرة على جزر «سينكاكو»، وهو سلوك لا يمكن الدفاع عنه، ويمكن النظر إليه بوصفه اعتداءً بحرياً غير قانوني وتوسعاً إقليمياً غير مشروع. ولهذا، فيتوجب على اليابان أن تتخلى عن أية أراض تحتفظ بها بصورةْ غير شرعية كمخلّفات لسياساتها الاستعمارية السابقة خلال المئة والعشرين عاماً الماضية. إن الاستيلاء على هذه الجزر الصغيرة وإعادة تسميتها هو عملية خداعٍ دولي مشينة تضرّ بسياسة «الدفاع المشروع عن النفس في إطار القانون الدولي» التي اتّبعتها اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
مناطق الدفاع الجوي
ليست الصين وحدها من يمتلك منطقة دفاعٍ جوي، فقد أقامت كل من اليابان وكوريا الجنوبية - مسبقاً - مناطق دفاع جوي خاصة بها في بحر الصين الشرقية. تنص قوانين هذه المناطق على وجوب قيام الطائرات المدنية بإبلاغ سلطات الملاحة الوطنية ذات الصلة بخطة طيرانها ورقم الطائرة. وهذه الإجراءات الأمنية ضرورية ولا سيما فوق المناطق البحرية المتنازع عليها لتجنّب إسقاط أي طائرة مدنية على خلفية الاعتقاد بأنها طائرات حربية معادية.
توجد وفق المنظور التاريخي الصيني مخاوف عديدة تتعلق باحتمال حصول «عمليات تخريب سرية» تستهدف إحدى طائرات الركاب اليابانية، حيث من الممكن لحادثة تحطم طائرة يابانية تُلام فيها الصين أن تتسبب في حشد تأييد عالمي لهجوم مضاد تشنه اليابان بدعم أمريكي - في إطاراتفاقية التعاون الأمني المشترك بينهما - على بكين. وتجدر الإشارة إلى أنه تم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبمساعدة من الأمريكيين الذين أرادوا تجنب تكرار أهوال الحرب، صياغة «دستور السلام» في اليابان الذي منع الأخيرة من اللجوء إلى الحرب كأداة لتنفيذ سياسة الدولة.
الخداع التاريخي
يقوم ادّعاء طوكيو بامتلاك مجموعة جزر «سينكاكو» على المبدأ المسمّى بـ «تيرا نوليس» وهو مصطلح لاتيني يشير إلى المناطق غير المأهولة والتي لم يطالب أحد بملكيتها لحين اكتشافها، وهذا ما زعمت اليابان حدوثه في قضية الجزر المذكورة. وفق السجل التاريخي، فقد تصادف اكتشاف اليابان لهذه الجزر في كانون الثاني من عام 1895، مع حربها الأولى ضد الصين التي استمرت لسبعة أشهر وانتهت هذه الحرب في نيسان من العام نفسه بتوقيع اتفاقية «شيمونوسيكي» الذي قدّم فيه دبلوماسيو الطرف المهزوم - متمثلاً بأسرة تشينغ المالكة - تنازلاً عن شبه الجزيرة الكورية وتايوان إلى الحكم الياباني.
جذور التعاون العسكري الياباني - الأمريكي
مثّلت حرب المحيط الهادئ (1941 - 1945) شرخاً نادراً في التعاون التاريخي بين قوى الهيمنة في الغرب والشرق. ويهدد الصعود الحالي للصين بزعزعة هذا التحالف القديم بين واشنطن وطوكيو. ولذلك، فإن قواتهما العسكرية المشتركة تقوم بالتعبئة في «المحور الاستراتيجي» لدحر الصين باعتبارها منافساً غير مرغوبٍ به. وتعدّ جزر «سينكاكو» نقطة ارتكاز هذا المحور التي تتمتع القوات البحرية والجوية الأميركية واليابانية من خلالها بميزات استراتيجية وتكتيكية هائلة تمنحها أفضلية كبيرة على جيش التحرير الشعبي الصيني.
لا تزال الهيمنة القارية الآسيوية منذ «أيام الأمجاد والبارود» وحتى الآن، تشكل جزءاً حيوياً من الأجندات العالمية للنخب المالية والسياسية في نيويورك وطوكيو ولندن. ومن هذه المراكز بالذات ينبع خطر اندلاع حرب عالمية جديدة، وليس من مواقف دفاعية تتخذها بكين أو بيونغ يانغ أو موسكو.
لا يتردد رئيس الوزراء الياباني - أحد أشد الداعمين للطاقة النووية - شينزو آبي، عن إنفاق ملايين الدولارات لـ «الدفاع» عن منطقة هامشية نائية في بحر الصين الشرقي، بينما يعجز عن تقديم التعويضات ونفقات المعيشة وتأمين الأراضي والمنازل البديلة لأكثر من 160 ألف مواطن ياباني ممن تم إجلاؤهم من المناطق التي طالتها الإشعاعات الناجمة عن حادثة «مفاعل فوكوشيما».
الفائزون والخاسرون
إن الفائز الوحيد في النزاع حول الجزر هي القوات البحرية الصينية، التي تتمتع الآن بدعمٍ محلي هائل وغير مشروط لتحديث وتوسيع أسطولها.هذا وقد أعاد موقف طوكيو الصدامي بعث الذكريات المؤلمة عن الفظائع السابقة والغطرسة الإمبريالية التي مارستها اليابان خلال حروبها المعاصرة ضد جارتها الصين. في إطارٍ موازٍ، لا تَعِدُ سياسة «المحور الاستراتيجي» اليابانية - الأمريكية سوى بإنفاق عسكري باهظ ونكسات مهينة قادمة. بناءً عليه، يتعيّن على صناع القرار اليابانيين قبول أحكام محكمة العدل الدولية للحؤول دون خسارتها لأراضيها الوطنية الشرعية ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى.
إذا لم يتم تنفيذ تراجع استراتيجي بشكلٍ عاجل، فإن النزاع حول جزر «سينكاكو - دياويو» سيتصاعد بسرعة ليتحول في نهاية المطاف إلى آخر حروب المحيط الهادئ وأولى «رصاصات» الحرب العالمية الثالثة. لذلك، فإن الدبلوماسية باعتبارها فن التسويات، مطلوبةٌ اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى لمنع حدوث ما لا يمكن تصوره.
عن موقع «جلوبال ريسيرتش»
هوامش :
يويتشي شيماتسو* : صحفي مقيم في هونج كونج، ورئيس تحرير أسبق لصحيفة «اليابان تايمز» الأسبوعية في طوكيو.
اتفاقية التعاون الأمني المشترك* : أصدرت اليابان والولايات المتحدة في عام 1996 البيان المشترك للتعاون الأمني، وعدلتا بموجبه مبدأ التعاون الدفاعي الذي وضعتاه في عام 1978. وفي سبتمبر عام 1997، حددت اليابان والولايات المتحدة رسميا مبدأ التعاون الدفاعي الجديد، وفي ال24 من مايو عام 2004، أجاز البرلمان الياباني مشاريع القوانين المتعلقة بمبدأ التعاون الدفاعي الياباني الأمريكي، الأمر الذي يدل على تأسيس نظام جديد لتعزيز التعاون الأمني بين اليابان والولايات المتحدة.