البسطات.. «كل شي بحقو»
غزل الماغوط غزل الماغوط

البسطات.. «كل شي بحقو»

بعد بضعة أيام من الحملات المتصاعدة التي شنتها محافظة دمشق للحد من إشغالات الأرصفة، عادت كثير من البسطات في مناطق مختلفة من العاصمة، تلك البسطات التي تشكل مصدر رزق للعديد من الشبان الذين لم تعطهم الحكومة غير الوعود بفرص العمل، إلى جانب كونها حلاً اقتصادياً لشريحة واسعة من المفقرين.

 

ففي حي الشيخ سعد، بإمكانك أن ترى بعضاً من البسطات التي تفترش الأرصفة مساء، ما قد يدفعك إلى التساؤل عن حملات البلدية المصحوبة عادة بالضجيج الإعلامي، واستعراض العضلات على الشرائح الفقيرة، وما آلت إليه اليوم، وهو ما أجاب عنه أحد الباعة في حديث ودي، حيث أكد: أن المحافظة سمحت لهم بفرش بسطاتهم بعد السادسة مساء، واختتم كلامه قائلاً: «طبعاً كل شي بحقو»
بصراحة
بعيداً عن الثمن الذي يترتب على الباعة تقديمه بشكل غير مباشر لدوريات المحافظة، يغدو السؤال الأكثر إلحاحاً، هو: الغايات الحقيقية من وراء ملاحقة أصحاب البسطات، والتضييق عليهم؟ والذي يؤكد كثيرون أنه يأتي ضمن سياق دعم أصحاب المحلات التجارية، وحمايتهم من منافسة البضاعة الرخيصة والعثور على طرق ملتوية جديدة لتحصيل المزيد من الأرباح_ من أي عامل_ مهما كانت متواضعة.
التنظيم كبديل معقول
تشكل البسطات في مختلف المناطق مصدر رزق لكثير من الأسر، وما دامت الحكومة عاجزة أو «متعاجزة» عن خلق جبهات عمل، وإيجاد فرص عمل حقيقية لملايين العاطلين عن العمل، فإن عليها ببساطة، أن تقبل بوجود البسطات بدلاً من محاربتها، باعتبارها جانباً من النشاط الاقتصادي الذي يقتات منه الآلاف، وأن تفرض لذلك شروطاً منطقيةً، كأن تخصص لها مساحات معينة، أو تسمح بها في أيام أو ساعات محددة، لقاء ضريبة مدروسة تعود إلى الدولة، وتستثمرها في خلق فرص عمل إنتاجية، تدعم الاستقرار الذي تفتقر إليه هذه الفئة، وهو بطبيعة الحال أفضل بكثير من أن يجري استغلالها وسرقة أرباحها المتواضعة من قبل هذا أو ذاك من موظفي المحافظة.
حلول جزئية
تقوم المحافظة حالياً، بالترخيص لبعض البسطات وفق معايير موسمية، ومنها: الحمضيات والفول والذرة والمشمش، وهو ما يقدر بنحو300 بسطة لكل موسم طبقاً لتصريحاتها السابقة، إلا أن ذلك لا يعد كافياً لاستيعاب الأعداد الهائلة من «المعتاشين» على البسطات، كما أن أغلبها لا يحمل صفة الموسمية وإنما يشكل مصدر دخل رئيس على امتداد العام، كبسطات البالة والخضراوات والألبسة والإكسسوارات.
عمل غير منظم
يشكل انعدام التنظيم في هذه المهنة، وفي كثير من المهن الأخرى التي رأت النور أثناء الأزمة، أو تنامت بشكل مطرد خلالها، سبباً رئيسياً لحرمان العاملين فيها من الحصول على أبسط حقوقهم، ويبقيهم عرضة للاستغلال، أو لخسارة عملهم في أية لحظة، ويمنع الاستقرار الاقتصادي الذي تحتاجه المجتمعات كي تتعافى وتزدهر، والمسؤولية في ذلك تقع على عاتق الحكومة المتمسكة بالنهج الليبرالي ومساوئه التي لا حصر لها، والتي انتهت بنا اليوم إلى ما وصلنا إليه من بطالة وإفقار واستغلال.