أيها الصغير انتبه فأنت لم تنضج بعد
ما الذي فعلته الأزمة بنا؟؟ ما كان يفقأ العين في السابق أصبح أمراً اعتيادياً بمرور الأيام وتكرار الظاهرة. ثمة تغير في السلوك الاجتماعي فرضته الظروف والواقع الجديد لما بعد انتهاء القتال في سورية، أما الحرب، فلم تنته فعلياً بالنسبة لغالبية السوريين بعد، ما زالوا يحاربون يومهم كله وفي قطاعات مختلفة من أجل لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة في ظروف لا تحتمل.
تنقل السرافيس المتهالكة العشرات من النساء العاملات من ريف دمشق القريب إلى أماكن عملهن المختلفة، في مشاغل الخياطة المتناثرة في الريف، أو إلى قلب مدينة دمشق القديمة، عاملات في بعض ورشات الأعمال اليدوية كصناعة العباءات وتركيب أزرار والخرز.. إلخ، أو عاملات في مطابخ باب توما وغيرها.
أجور زهيدة وساعات عمل طوال تتراوح ما بين 8 إلى 12 ساعة يومياً حسب موقع عملهن، وحتى المعامل القليلة التي لم تغلق أبوابها بعد، تستغل وضعهن السيّئ وعدم توفر العمل، فتعرض عليهن رواتب قليلة لا تكفي للمعيشة، ومع ذلك لا خيار أمامهن سوى الموافقة على شروط مجحفة، لأن الغالبية منهن يقمن بإعالة الأسرة بسبب فقدان المعيل، إما بسبب الموت أو الاعتقال أو الطلاق.. إلخ، لا نقابات تدافع عنهن ولا مؤسسات اجتماعية ترعى شؤونهن.
ثمة من اضطرت لخيارات أسوأ، منها إرسال الأطفال إلى الحاويات، تقول أحداهن وهي أم لأربعة أطفال صغار أحدهم رضيع وأكبرهم لم يتجاوز العاشرة «لم يكن أمامي حل آخر، إما أن أموت معهم من الجوع أو أرسل الطفلين لنبش القمامة». وهذه قصة أخرى إذ تحول «نبش القمامة» إلى مهنة تعتاش منها عوائل عديدة، ولم تعد ظاهرة منفرة وغريبة كما كانت سابقاً، بل جرى اعتيادها مثل ظواهر أخرى كثيرة، والأنكى من ذلك أنها أصبحت مهنة لها «قوانينها الخاصة» غير المكتوبة، بين العاملين بها، فقد تحدث مشاجرات كبيرة حول أحقية هذا أو ذاك في هذه الحاوية أو تلك.
طفل آخر لم يتجاوز الرابعة عشرة، نَضج باكراً قبل أوانه، بعد فقدان والده في الأزمة، فترك المدرسة «لأنها ما بتطعمي خبز» حسب تعبيره، وعمل في محل لتصليح السيارات «أنا رجال البيت هلأ، ولازم أساعد أمي وأختي في مصروف البيت « يتباهى الصغير، غير مدرك للثمن الذي يدفعه من طفولته والوقت المتسرب من حاضره، وجعله يتحمل مسؤوليات الكبار باكراً!
قصص كثيرة كهذه تمر علينا كل يوم، ورغم ذلك فالحياة تسير، وكلُّ شيء يتغير، وسيتغير، وهذا ليس تفاؤلاً ساذجاً ولا هو إنكار للواقع ولكنه استبعاد للهزيمة في داخل الإنسان المنهك مما يجري، ولكنه ما زال راغباً بالعيش، يستيقظ كل صباح ليواجه تفاصيل حياته وليستمر بالحياة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1156