أوهام التصفح السريع
كم يحدث معنا أن نفتح هواتفنا لنتصفح «فقط ربع ساعة»، ثم نجد أنفسنا قد ضيعنا ساعات من وقتنا على التنقل من رابط لآخر، ينتابنا شعور بوفرة المعلومات وامتلاكها ولكن هل هذا الشعور حقيقي فعلاً؟
أطلق البعض على هذا الزمان وصفاً، قد لا يجافي الحقيقة، إنه عصر الأسلاك، منطلقين من حقيقة أن البشر أصبحوا متصلين بكثير من الأسلاك، أسلاك خارجة من جيوبهم وحقائبهم، وفي كل مكان تواجدوا فيه سواء في العمل أو الشارع أو وسائل النقل أو البيت. إن الاتصال الدائم بالإنترنت، والتفقد المستمر له يجعلهم يشعرون بأنهم على اتصال دائم بما حولهم، ولكن في حقيقة الأمر يقومون بخداع أنفسهم، فهم لا يكلفون أنفسهم عناء قراءة الصفحات ولا التفكير بها بعد قراءتها، إنها فقط نظرات سريعة بدون أي صبر، يجري بعده الانتقال بسرعة من موقع لآخر، وتخطي ما يتصفحونه بسرعة كلما استرعى انتباههم رابطُ موقع مثير. وبعد نهاية اليوم يكون قد تم استنفاذ طاقة الشخص بالكامل.
كان الناس في الماضي يستيقظون على أصوات العصافير، أما الآن فالناس تصحو على أصوات وسائل التنبيهات، وبسبب عصر الأسلاك هذا، خسر البشر كثيراً من الأشياء، منها التركيز. تخيل أن شخصاً ما يقوم بعمله، ويأتي آخر ليناديه أو يقاطعه أو يصرخ بجانبه كل بضعة دقائق. لا شك بأن كفاءته الإنتاجية ستكون أقل، إضافة إلى شعوره بالعصبية وعدم الرضا. يوضح المثال السابق ما يحصل معنا عندما نكون مركزين في عمل ما، وفجأة يرن صوت الهاتف حاملاً إشعاراً أو رسالة أو.. الخ.
وكثيراً ما يبدأ التشتت الرقمي بحسن نية، فيقودنا إلى سلوك تفقد إجباري عندما نصحو من النوم، غالباً ما نمد يدنا إلى الهاتف لندخل أحد المواقع ونعرف ما حدث أثناء نومنا! رغم معرفتنا بتأثير ذلك سواء على صحتنا أو على علاقتنا الواقعية بالآخرين.
ومن تأثيراته السلبية الأخرى أنه كان سبباً في فقدان كثيرين مهارات إنسانية عريقة، مثل الإنصات والتأمل والاختلاء بالذات الذي قد يكون صعباً ومملاً ولكنه مهم لأنه يوفر مساحة للإبداع وحل المشكلات والابتكار. ويوفر مساحة للإحساس بالهدوء.
إضافة إلى عدم قدرة الكثيرين على تحديد أهدافهم بأنفسهم، حيث يتم إجبار نمط التفكير عندهم على سلوك مسار معيّن، يتحدّد وفقاً لما يتطلبه من يتواصل معهم في المواقع المختلفة التي يذهبون إليها بشكل تلقائي وطوعي. كما يشغلهم قضاء الكثير من الوقت في بناء وتحسين الهوية الإلكترونية عن قضاء الوقت في العمل على بعض المكونات الواقعية للذات والتي قد تكون بحاجة لتحسينها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1138