صفر بالسلوك مسؤولون
ماذا نعرف عن كلمة مسؤول، سوى ما علمنا المسؤولون أن نعرفه؟!
المسؤول هو الشخص الذي يُسأل عن الموضوع الذي حمَّله «الشعب» مسؤوليته، أي أنه في موقع المساءلة طيلة الوقت، وطالما أنه ارتضى أن يتحمل المسؤولية فإن عليه أن يتحمل غلاظتنا وأسئلتنا، وبالطبع فنحن (حبابين) ولن نسأله شيئاً، لأن السؤال لغير الله مذلة، وهذه الأخيرة علمنا إياها المسؤولون.
فإذا كان أحدهم مسؤولاً عن الري في البلاد، فإننا نتوقع أنه جالس خلف مكتبه في البرية بين المزروعات اللطيفة، وهو يتأملها ويفكر بكيفية اختراع الأفكار الجديدة لري هذه المزروعات، ولكنه للأسف سيجد من يتهمه بالجنون إذا ما رؤوه على الأقل يفكر، فما بالك إذا كان يفكر ومكتبه بين المزروعات؟!.. لقد تعودنا من المسؤولين أن يكونوا في مكاتبهم المكيفة، بعيداً عن الماء والهواء والشمس والتراب، أو ما يسميه المثقفون بعناصر الطبيعة، فكيف يكون الشخص مسؤولاً عن الطبيعة وهو في أبعد نقطة عنها؟!..
وإذا خطر لك أن مسؤولاً عن المواصلات يركض ليلاً نهاراً في شوارع دمشق المزدحمة، مستخدماً الميكرو العجيب حيناً، والتكسي الأعجب حيناً آخر، وباص الحكومة مرة في العام، فإنك لن تشك بأنه سيضطر، لأجل نفسه على الأقل، إلى التفكير بطرق جديدة لتخليص الأمة من الأزمة المرورية الخانقة، وكذلك إلى طرق أكثر لياقة بالإنسان في التنقل والتفتل والصياعة، لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك ومكاتب المواصلات ثابتة لا تتحرك وسط البلد، بينما السيارات تزمر وتزمر، والناس تتحاشى الدعس، والسيارات تتحاشى المشاة الانتحاريين، دون أن تتحرك مكاتب المواصلات من أرضها؟!.. كم كان الأمر سيكون رائعا،ً لو أن كبير مسؤولي المواصلات قرر أن يكون مكتبه في وسيلة المواصلات التي يفتخر بها، فما الذي سيختاره إذاً؟ ما هي وسيلة المواصلات التي سيشعر بالفخر تجاهها، وعلى أنها من إنجازات مكاتبه، الميكرو؟!.. ممكن.. الميكرو وسيلة مواصلات يُفتخر بها، كما أنها تعلِّم الإنسان أشياء ضرورية، فما بالك بالمسؤول؟!.. سيتعلم من الميكرو الاحترام والتواضع مجرد صعوده، فهو سيحني رأسه ويفوت فوتته ثم يخرج منحنياً ومتواضعاً، ففي الميكرو، لا فرق بين الناس إلا بالطول، القصير كسبان لأنه يدخل برأس مرفوع ويخرج برأس مرفوع أيضاً، نعم الميكرو هو أهم إنجازاتنا المواصلاتية وعلى المسؤولين عنه الفخر به والاعتزاز، فهو السريع الطاحش والمتوفر والرخيص، وفيه تتم عمليات التفاعل الاجتماعية الكبرى المتعارف عليها عند ركاب الميكرو المدمنين...
تعالوا نخصص يوماً للمسؤولين يعيشون فيه مع إنجازاتهم، مسؤول الري مع الجفاف، مسؤول المواصلات مع حركة المرور وأساليب التنقل، مسؤول الثقافة مع النتاج الثقافي الحكومي من مراكز ثقافية، ومراكز لاتحاد الكتاب العرب، وأمسيات أدبية لا يحضرها سوى ثمانية أشخاص، وهو الحد الأدنى للحضور الجماهيري لكي يحق للكاتب فيه أن يقبض ألف ليرة من المركز، بينما سنكتفي من مسؤول الكهرباء بالعيش ليوم واحد دون كهرباء ومولدة، ومن مسؤول الإعلام سنكتفي بأن يقرأ ويشاهد ويسمع مثل ياسر العظمة ما تنتجه قوانا الإعلامية كل يوم...
إن الشرط الأساسي لتحمل الإنسان لمسؤوليةٍ ما، هو أن يحبها، فهل يحب المسؤولون عندنا أعمالهم حقاً، أم أنهم موجودون فقط لكي يراقبوها؟؟!... وكما تعرفون فإن من راقب الناس مات هماً، كان الله بعون مسؤولينا إذاً...