بين قوسين: طواويس الظهيرة
قد لا يتوانى كاتب محلي عن القول بأنه أديب عالمي، حتى لو كان مجهولاً في حارته، لمجرد ترجمة أحد أعماله إلى لغة أخرى عبر دار نشر صغيرة، ذلك أن العالمية هوس عمومي ينتاب الكتاب العرب في ظل مطحنة العولمة التي تشبه خلّاط الفواكه لدى محل "أبو عبدو" في ساحة عرنوس.
والأمر ذاته يتكرر عند مبتدئين وهواة، يعتقدون على الدوام أن خمسمئة نسخة مطبوعة، سوف تحدث زلزالاً على مستوى الخريطة المحلية والعربية، قبل أن تعبر المحيطات..
ما ينقصنا اليوم بشدة دواء «التواضع» فهو مفقود من صيدليات الأدب، على عكس حبوب الصداع والفياغرا.
ثمة معارك طاحنة، على صفحات الصحف والمواقع الالكترونية، عنوانها الإلغاء والإقصاء، وأحياناً التبجيل الكاذب لأسماء صارت مرموقة بحكم التقادم وليس الإبداع حتماً.
طواويس الظهيرة تتجول بحرية في شوارع الثقافة، مزهوة بالريش الاصطناعي فحسب، وبضع مقالات افتراضية على شبكة الانترنت.
وعلينا، نحن معشر القراء، أن نصفق لنجاحاتها الوهمية، وأن نصغي بإمعان إلى ضجيجها الأيديولوجي، وأن نتجاهل تاريخها في الإفلاس، وضيق أفقها المرتد إلى عشيرتها الأولى.
لاشك في أن المرآة اليوم مغبّشة، وتعكس صورة مزوّرة ومهزوزة لأصحابها.. وبدلاً من التفكير بتحطيم هذا الزجاج المغشوش، يجري إصلاحه وترميمه في عملية عبثية وسيزيفية مضجرة.
مرة قال أحدهم: «حين تكتب، عليك أن تضع تشيخوف في جيب قميصك»، كنوع من الإطراء للكتابة الجديدة التي لا تلتفت إلى ما سبقها.. لكن البعض جاء إلى الكتابة عارياً حتى من قميص ممزق وهو لم يقرأ تشيخوف بالأصل، واقتحم فضاء الكتابة بشجاعة الجهل وحدها، محمولاً على غيمة الركاكة العمومية.
هنا عليّ أن أستعين بهذه الأيقونة من أنطون تشيخوف: «تتراكم خلفي جبال من الأخطاء، وأطنان من الورق المليء بالكتابة.. وحياة نجاح مفاجئ.. غير أنني ـ بالرغم من ذلك ـ أشعر بأنني لم أكتب سطراً واحداً له قيمة أدبية حقيقية، وأنني أتوق لأن أختبئ في مكان ما لمدة خمس سنوات، أو نحو ذلك، لأنجز عملاً جاداً دؤوباً، عليّ أن أدرس وأتعلم كل شيء من بدايته، إذ إنني ككاتب إنسان جهول تماماً».