الحائط الرابع ومتعة الوهم
ليلاس سويدان ليلاس سويدان

الحائط الرابع ومتعة الوهم

 عندما انطلقت الثورات من العالم الافتراضي، أو من الفيسبوك بالتحديد الذي يشبه المسرح نوعاً ما كونه عالماً افتراضياً، بينه وبين الواقع حائط وهمي بالإمكان طبعا اختراقه أو تجاوزه، سقط الحائط الرابع بالمعنى البريختي على مستويين: أولهما عندما انفتح العالمان على بعضهما في لحظة ما، وثانيهما عندما كسرت الحالة الوهمية المسرحية التي تشبه حالة المواطن المشاهد الذي استغرق عمرا وهو يشاهد بملل كسول عرضا طويلا جدا لمخرج دكتاتور.

بعد لحظة السقوط تلك تغيرت قواعد اللعبة وأصبح المشاهد السابق جزءا منها ومن العرض، وتحركت المجاميع ولم تعد مجرد كورال يقف على جانب من المسرح أو خلفيته، ولكنها تشارك بتحريك الحدث والفعل وصناعته أيضا. لم تعد البطولة فردية وإنما جماعية.

قام الجميع من على كراسي المشاهدين وصعدوا الخشبة وقدموا عرضهم الجماعي الأول، وكسر حاجز الوهم ورفع الستار كما طلب بريخت، الذي لم يرد أن يسترخي المشاهد على كرسيه متمتعا بخدر الوهم اللذيذ. لم يعد ما يحدث منفصلا عن الواقع بل هو الواقع نفسه، لا مجال لاستغراق المشاهد في حالة الإيهام وتغييب الوعي والإرادة، فما يحدث لم يعد لعبة وإنما المشاهد سابقا الممثل حاليا هو من يدير اللعبة ويرى نفسه وينقدها.

كل عناصر العرض المسرحي تغيرت، الموسيقا والأغاني والهتافات والكلمات.

ولم تعد الخشبة منصة للأوهام بل ميدانا للتغيير. ولكن فجأة يكتشف الممثل الجديد أنه لا يريد أن يرى ذاته وأن دوره الفاعل يضيع عليه متعة الوهم.

يطلب من المخرج القديم أن يعود ويصعد المنصة، وأن ينزل الستارة مرة أخرى ليعود ويرفعها عن عرض يعود به لدور المشاهد الذي أداه هو بجدارة.

الميدان مسرح حدث رمزي أوسع من حلمه وأكبر من أن يحسب خطواته فيه، وهو الممثل الجديد الذي ترتبك خطواته لما هو أبعد من جدران علبة المسرح التقليدية، لعله اكتشف أيضاً فجأة أنه هو الجالس على مقاعد المشاهدين كان ممثلا أيضا، يحسب خطواته ويحيا حياته بتلك الحالة المسرحية التي يستغرق فيها بالوهم والسلبية.

يود أن يهتف بعودة المخرج والممثلين الأبطال.. ينسحب بهدوء مرة أخرى وتظلم الصالة تمهيدا لرفع الستار. وربما صرخ بريخت وقتها محتجا «الثورة هي التي تنفجر داخل الرؤوس».