أولمبياد للمحللين السياسيين
ترافقت الأزمة السورية مع ظهور مهنة مربحة جديدة هي مهنه التحليل السياسي. الجيران اللبنانيون يعرفون تلك المهنة جيداً وقبلنا بعقد من الزمان على الأقل، ومع ذلك فإن كم «الكفاءات» الذي قدمته سورية في هذا المجال ليس قليلاً أبداً.. ربما سنحتاج قريباً إلى أولمبياد خاص بالمحللين السياسيين، وينبغي أن يتكون من مجموعة متنوعة من السباقات والمنافسات على غرار ألعاب القوى وألعاب الخفة. ينبغي مثلاً أن تخصص مسابقة لعدد الكلمات المنطوقة في دقيقة واحدة، وأخرى لعدد التواريخ التي يذكرها المحلل ضمن حديث سياسي من نصف ساعة، وغيرها من السباقات التي تهتم بالشكل.
بالإضافة إلى سباقات الشكل، يفترض أن يخصص جزء أساسي من الأولمبياد للاهتمام بالمضمون، مثلاً مسابقة أغرب تحليل، مسابقة «الكذبة الكبرى» لمن يتقن تدبيج وهم خالص بشكل الحقيقة والخ. لا شك أنّ المحللين السوريين في أولمبياد من هذا الطراز سيضعون المحللين اللبنانيين وغيرهم في «جيبتهم الصغيرة»!
لدينا مثلاً محلل يرى أنّ سورية عمود السماء فإن هي سقطت تهافتت السماء على الأرض وقامت القيامة، ويستنتج من ذلك أنّ لا خوف علينا لا من أمريكا ولا من غيرها فهذه «دول حكيمة» تخاف العاقبة الكبرى. محلل آخر يقول إن داعش من صنع أمريكا ومع ذلك فإن أمريكا مضطرة لمحاربتها لأنّ سورية فرضت معادلات جديدة. محلل ثالث، استراتيجي، يكشف لجمهوره عن النصر القادم على أعتاب كل معركة صغيرة أو كبيرة. رابع، تكتيكي، يكشف الأبعاد الاستراتيجية للرمي جاثياً وأفضلياتها مقارنة بالرمي منبطحاً وتأثيرات هذين الشكلين على التوازن الدولي وعلى استقرار أسعار النفط العالمي. وخامس، اقتصادي، وكونه اقتصادياً لا يعني أكثر من أن عنوان النقاش اقتصادي ولكن المضمون سياسي بالضرورة وأي سياسي!.. فمثلاً الخصخصة ضرورة وطنية، الفقر والعوز مسألة مكروهة والعياذ بالله ولكن وضع البلد لا يسمح بالضغط على التجار أكثر من ذلك، فسابقاً كانوا يربحون كثيراً، والآن يربحون أكثر، ولكن ألا يستحقون والبلد تمر بهذه الظروف وهم يتحملونها ببقائهم هنا - وكان بإمكانهم أن يتركوا السوريين أيتاماً ويذهبوا إلى بلاد الفرنجة ليعيشوا حياة هانئة- ألا يحق لهم أن يهبشوا أكثر من السابق؟! بلا وأيم الحق..
يحق للسوريين أن يقيموا أولمبياد للمحللين السياسيين وللأجهزة المسؤولة عنهم أيضاً، ربما قريباً سيسمع السوريون التحليلات حتى نهاياتها.