حرب التخوين!
نشهد اليوم أكبر حملة للتخوين. ما أن يمتلك أحدهم رأياً مخالفاً، حتى تهطل عليه قنابل دخانية تعمي البصر والبصيرة، ولافتة مكتوب عليها: أنت خائن.
لم يسأل ممن يعتقد بأن لديه خاتم الخيانة، كيف اكتشف بأن الحق والحقيقة معه وحده، وليس لدى سواه. لنقل مباشرة بأننا نحتاج إلى تمرينات شاقة على الديمقراطية، والإنصات إلى صوت الآخر، والتخلي عن خنادق ومتاريس الاتهامات الجاهزة لضعضعة مقاومة الضحية.
هكذا افتقدنا دفعة واحدة مفاهيم ومصطلحات وقيم، لطالما كانت المدماك الأساسي لأي حركة إلى الأمام.
ما نشهده اليوم، لا يصب في باب السجال بقدر ما هو شجار حارات وصخب كراجات، ولعل إذاعات المنوعات وفضائيات الظل التي كانت تهتم بالأبراج والأغاني الدارجة ورياضة الصباح، والتي تحوّلت فجأة إلى إذاعات شتيمة وصراخ، أفضل مثال على ثقافة الكراجات، إذ لعبت دوراً مسيئاً في فهم معنى الإعلام وحدوده ومهامه.
كنا أمام جوقة من المطيباتية وأصحاب الشوباش بتجاهل صلب الأزمة التي تعيشها البلاد، ففي حين تعترف الحكومة حاجة البلاد إلى برنامج إصلاحي شامل، يتخندق هؤلاء خلف شعارات قديمة وإنشائية، بدلاً من تشريح برنامج الإصلاح وأهميته في تطوير البلاد كي تكون عصية حقاً في وجه أية مؤامرة لخلخلة ثباتها.
وصل الأمر ببعضهم إلى مديح قانون الطوارئ، والتغزّل بمزاياه. القانون الذي تخلت عنه الحكومة كعتبة أولى نحو مستقبل منفتح على التعددية والاختلاف. من ضفة أخرى وجد آخرون في توقيع البيانات مهنة جديدة لهم، من دون فحص محتوياتها، أو توجهاتها، أو أهميتها. المهم أن يرى هؤلاء تواقيعهم منقوشة إلى جانب أسماء مرموقة ولها حضورها في الساحة.
ليس المهم هنا أن نتبنى بياناً أو نرفضه، بل أن نكون مؤمنين بأهدافه عبر ممارسة طويلة، أما أن يحصل الكومبارس على دور بطولة، من دون مقدمات، فهذا من علائم الفوضى والسباحة في بركة آسنة، مفترضين بأنها بحر متلاطم الأمواج.
في المقابل هناك أصحاب الأسماء الوهمية الذين امتهنوا الردح - في المواقع الالكترونية والمحطات الإذاعية- واجتراح شجاعة ليست لهم في إقصاء كل ما لا يشبههم، تحت يافطة التخوين.