حين يبصر السلاح..
جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

حين يبصر السلاح..

تجتمع الجوقة حول الطاولة المستديرة في القاعة الكبيرة لبحث المستجد الخطير..

فجأةً، وكما هي الحال دائماً، يلقي كبير اللصوص المتمدنين عدة النهب جانباً، ويحمل ميزان العدل، ويبدأ بالنواح على حقوق الإنسان المهدورة في الشرق الذي يجب أن يصير «جديداً» و«كبيراً».. ويخلع منافسه وشريكه التاريخي في اللحظة ذاتها، بذلة القرصان ويرتدي «الحطة والعقال والسروال»، ويبوح بهمه المشرقي الذي يؤرق منامه.. يبادر آخر وضع سلاحه تحت الطاولة، فيعزف لحناً مؤثراً على مقام الحجاز.. ينتفض زميل لهم، ويصرخ متفجعاً ومطروباً: الله!.. متناسياً نازيته المتجددة دائماً.. ويدلي آخرون بدلوهم، هذا يندب أو يشجب بلغة فصيحة وإن بلكنة مستعربة، وذاك يبسمل ويحوقل متقرباً من الذات الإلهية بصورة مباغتة، وثالث يرجز، ورابع يحدو، ولولا أن الأوان ليس مناسباً، لغنى الجميع «الدلعونة»، وعملوا حلقة «دبكة»، وتمايلوا على أنغام العود و«القانون»..

ثم لا يلبث الجميع، الفتّاك والقمّام ومن بينهما، أن تأخذهم الحمية، فينطلق وعيدهم «الإنساني» الصارم، ملوحين بركوب البحار واعتلاء السماء لإنقاذ المغلوبين على أمرهم، وتخفيف عذاباتهم..

هكذا كانت الحال مع يوغسلافيا قبل أن يحولها المنقذون «الكبار» إلى عدة دويلات متناحرة، وهكذا جرى تخليص أفغانستان من مستبد واحد لتقع بين براثن مستبدين كثر قبليين ويانكيين وأطلسيين وأنغلوساكسونيين...إلخ، وهكذا تم تحرير العراق من الطاغية لتفترسه الطوائف والقوميات والشركات الظمأى أبداً للنفط والدم.. وهذا ما ينتظر سورية المفجوعة بشهدائها إذا لم يتنبه الجميع الآن، الآن فوراً، للفخ المنصوب واللعبة القاتلة!.

الآن ليس هناك متسع لتوجيه الاتهامات وتحميل المسؤوليات، فأوان المساءلة والمحاسبة قادم على كل حال والدم المراق سيفضح اسم مريقه الغادر على وجه اليقين، لكن الهام في هذه الأوقات الحاسمة، الآخذة بالتناقص سريعاً، أن يلتفت الجميع للخطر القادم من وراء البحار، ووضع الأحقاد والآلام والثارات البسوسية جانباً، والاستعداد للمعركة الوطنية الكبرى.. والخندقان سيفرزان الناس فرزاً حقيقياً، ولاشك أن كل امرئ سيجد عدوّه الحقيقي وغريمه  السافر في الخندق الآخر!!..

رائحة العدوان تزكم الأنوف ولن تكابر على ذلك إلا أنفة كاذبة، وسيل الدم الذي قد يسيل لن يقف في وجهه إلا من يريد جدياً حفظ دم شهداء الحراك الشعبي المشروع لكي لا يضيع سدى ويذهب هدراً..

أما المفجوعون والثكالى واليتامى والجرحى والمجروحون بكرامتهم، فهذه هي معركتهم الحقيقية.. معركة الثأر والقصاص والحرية والعدالة الاجتماعية واستعادة الكرامة والاعتبار.