فسبكة!
تتعدد الحالات الإنسانية وتزداد تركيباً وتعقيداً، والغالب على الناس في كل الأزمنة أنهم يحبذون مشاركة الآخرين لهم في ما يشعرون ويحلمون، إما لنيل بعض المواساة أو التشجيع أو التعاطف، أو قد يتعدى الأمر ذلك ليصل إلى درجة طلب النصح.
في هذا الزمن الذي بدأ يخلو من دفء وحميمية العلاقات الإنسانية بمعناها التاريخي، وفي خضم التغيرات الاجتماعية المتشابكة في الغرب الغالب عليها علاقات المصالح والاستهلاك، وبما أن النظام الرأسمالي استطاع الاستثمار في كل شيء، بما في ذلك المشاعر الإنسانية، فقد استغل فيما استغل حتى الهواء الذي نستنشقه يومياً للحصول على الأموال الطائلة مقابل تقديم بعض الحميمية المفقودة، وفي هذا الإطار أوجد فهلويوه الحل السريع الفعال لتواصل الناس بعضهم مع بعض افتراضياً.. فكان الـfacebook، أو (كتاب الوجوه)..
ظاهرة تفشت بين الناس في الشرق والغرب، بين الفقراء والأغنياء على السواء، فلمت كُلَّنا المشتت على أشكال صور على صفحات شخصية، وأفسحت المجال لإنشاء العلاقات المتنوعة والمتعدية.. أصدقاء، وأصدقاء الأصدقاء، والأصدقاء القدامى الذين يظهرون فجأة... وهكذا تم نقل الواقع الغربي الأكثر تشوهاً اجتماعياً إلينا.. فمضى كثيرون منا إلى الغوص بين صفحات ناصعة لإقامة التواصل مع آخرين.. على هذا الواقع المنشأ بكل أدواته.
في هذا العالم الافتراضي تستطيع أن تفعل ما تشاء.. بإمكانك أن تثور داخله على ما تشاء.. أن تهجو الظلم الذي عمَّ العالم.. وتستطيع اقتحام أبواب الأدب واللا أدب بلا رقيب.. أنت حرٌ، ولكن على الفيس بوك..
وهكذا استطاع الرأسماليون العباقرة فرمتة العالم - بالمصطلح التكنولوجي- وتحويله إلى عالم يضجُّ بالعلاقات الافتراضية..
وبما أن المجتمع العربي مجتمع يستهلك كل شيء، فقد أغرقه الاستثمار القادم الجديد..
وبدأت الحالات تظهر في المربع الذي يقول: ماذا يجول بخاطرك؟ وتعددت، ولكن ليس بشكلها الطلبي للرد، وإنما بشكلها الانفعالي للتعبير عن الأزمات بصوت مسموع ولكن في واقع مفترض.. وانتقلت الأحزاب إلى الفيس بوك.. وصعد منابرها الشباب المثقف، وبدأ الرشق، وانقسمت الأوساط الثقافية إلى فرق ومجموعات، وانتقلت الحروب الافتراضية على هذا الواقع الافتراضي إلى بيانات على أرض الواقع وبالمصطلح العامي.. (تسلخها) هذه الجماعات كردود حقيقية على أي هجوم رأيويّ افتراضيّ مفترضٌ حدوثه.
فإذا كان هذا الفيس بوك كتاباً للوجوه بحرفيَّة الترجمة، فإلى متى سيثبطنا بنشر حبل غسيلنا الوسخ الذي ملأ جدران واقعنا في الحقيقة.. في لا كينونته الافتراضية؟
لنجعل من قضايانا أعلى من كلمة: فسبكة!!