عولمة الاغتراب وتحطيم القيم والمبادئ
انتشرت السينما الأمريكية في العقدين الماضيين بشكل سرطاني سواء في دور السينما أو على شاشات التلفزيون والفضائيات وأكشاك بيع الأفلام في العالم
الحرب الثقافية العالمية لها حديث وحسابات أخرى قد لا تظهر واضحة كما في السياسة العامة. فماذا حصدت هوليوود ومن ورائها ديكتاتوريتها الثقافية السينمائية.
ستديوهات هوليوود احتكار رأسمالي ضخم عابر للقوميات كغيره من الشركات الكبيرة التي حكمت العالم وهو يحتكر صناعة السينما، وقد غزت أفلام هوليوود، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، الأسواق العالمية عشية انهيار الاتحاد السوفييتي وتدفقت بشكل جنوني إلى الأسواق الأوروبية الغربية في البداية وكانت تباع بثمن يبلغ عشر تكلفة الأفلام الأوروبية حتى استطاعت تحقيق سيادتها وديكتاتوريتها على السينما الأوروبية بحيث أصبح عددها ثمانية أفلام من أصل عشرة تعرض في قاعات السينما وستة من أصل عشرة أفلام تعرضها القنوات التلفزيونية الأوروبية.
كما حققت هوليوود والولايات المتحدة فائضاً تجارياً سنوياً مع أوروبا بلغت قيمته أربعة مليارات دولار مع حلول بداية التسعينيات ومن ثم واصلت الأفلام الأمريكية تدفقها على أوروبا الشرقية وروسيا وأمريكا اللاتينية والمنطقة العربية وكامل الكرة الأرضية حتى أصبحت هوليوود سيدة الشاشات بلا منازع وحققت أرباحها الخيالية بمليارات الدولارات ولا تزال رغم التراجع الأمريكي سياسياً.
يؤكد المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي أن أفلام الخيال العلمي وأفلام الديناصورات الأمريكية تساهم في تشكيل تيارات فكرية وثقافية تهدم كل القيم الحضارية والاجتماعية للأطفال والشباب في بلدان العالم الثالث، أي بلدان الجنوب الفقير، وكان غارودي قد هاجم هذه السينما أكثر من مرة داعياً إلى مقاطعة السينما الأمريكية المليئة بالأفكار المشوهة.
لقد مارست هوليوود هيمنة ديكتاتورية حرمت أطفال العالم من خياراتهم وأبطالهم ورموزهم، وأنتجت أجيالاً شابة تشعر بعزلة كاملة وقد جرى النيل من الرموز الوطنية للشعوب واستبدلت هذه الرموز والمبادئ بأخرى سخيفة ومشوهة وهجينة أبطالها على الشاشات نجوم التعري والإدمان والجريمة إلى درجة أنها حطمت معها الكثير من القيم الإنسانية والاجتماعية النبيلة، فانتشرت تيارات فكرية مشوهة بين الشباب تعبيراً عن حالة الاغتراب والانحلال الاجتماعي مثل عبدة الشياطين والمثلية الجنسية والشذوذ ومهووسي الموسيقا الصاخبة وانتشرت معها حالات الانتحار وارتفاع مستويات العنف والجريمة والتفكك الاجتماعي للعائلة.
ونالت سينما القمع الاحتكاري هذه الحياة الروحية للشباب والأطفال وكان تأثيرها بالغاً وصل حد وقوع شعوب عديدة تحت هيمنة الأفكار ونمط الحياة الأمريكية خاصة في جوانبها المؤذية اجتماعياً.
تأتي أهمية استخدام السينما كسلاح للمواجهة الفكرية لا يقل ضراوة وتأثيراً عن الأسلحة العسكرية خاصة عند استخدامها لمعاداة الإنسانية، حيث يظهر تأثيرها جلياً في بناء الحياة الروحية للشباب والأطفال من جديد، ويمكن لها أن تكون أحد طرق التعبير عن الذات الوطنية لشعوب العالم والتعبير عنها، مما يمكنها من المساهمة في النضال الثوري الجبار ضد المنظومة الرأسمالية العالمية نفسها.