بالزاوية: السياسة علم..!
من فضائل الأزمات أنها تفرض على الجميع التعاطي مع الشأن السياسي، بمن فيهم «المثقفون». فتصبح السياسة جزءاً من الهم اليومي حتى لمواطن يعيش في الأقاصي، سواء أكان غائباً أو مغيّباً عن ساحة الفعل والتأثير. وتبقى المشكلة أنه ليس بمقدور الجميع إيصال آرائهم إلى كل الناس، فيقتصر الأمر على النخبة، والنخبة في ظروف الأزمات غالباً ما تكون مصنّعة ومقولبة يتسم خطابها بالأحادية والنمطية والذرائعية، كما هي الحال مع أغلب النخب السورية التي تتعامل مع السياسة في فترة الأزمة الحالية عموماً بطريقة قراءة الطالع، أو اللهاث وراء الشعبوية، أو باعتبارها بابأ للارتزاق، أو طريقاً إلى النجومية.. أو...
السياسة علم، وكل علم له قوانينه وفرضياته ومقولاته، ومن يتعامل معها بغير ذلك فإنه يصبح جزءاً من المشكلة. وأعتقد أن النماذج أكثر من أن تحصى في ظل الهذيان السياسي المفروض علينا عبر الشاشات، ووسائل الإعلام المختلفة..
فهذا وَعَدَنا بأن «الثورة» ستحسم الموقف قريباً أو قريباً جداً.. وراح يحدد توقيت ذلك، وحدث أن خذله الواقع، فأخذ يبرر خذلانه هذا بوعود جديدة، وما كان منه سوى أن انتقل من موقع المثقف «الحداثي» إلى المسبّح بحمد «جبهة النصرة»، وراح يندب حظ «الثورة» المغدورة دون أن يقدم إجابة مقنعة وانزلق إلى مستنقع الخيانة.
وسياسي آخر، وَعَدَنا بالحسم وبأن «المؤامرة» ستسقط خلال أيام أو شهر وراح بدوره يحدد لنا مواعيداً، ولم ير هذا الجهبذ من الدور السعودي المعادي إلا «جهاد النكاح» أو أن أمراء الخليج متآمرون، أو أن «إسرائيل» تتدخل..! وكأنه بذلك أكتشف علماً جديداً... وما علينا إلا أن نصفق له على اكتشافه العظيم؟!... بشّرنا بعملية حاسمة لنجد أن البلاد بما فيها من بشر وشجر وحجر أصبحت على«كف عفريت»..!
رغم الخيبات المتكررة، التي مر بها هذا وذاك لم يعمد أحد من هذه النخب «السياسوثقافية» على إعادة النظر بأدواته في التحليل والاستقراء والاستنتاج وتحديد الضرورات والممكنات كما يفترضه أي علم، وكما هو مطلوب بعد أي فشل يمر به من يمتلك أبجديات علم الاجتماع السياسي.
الحركة السياسية التقليدية التي أفرزت مثل هذه النماذج تؤكد المقولة التي تم تداولها قبل سنوات بأنّ «هذه الحركة تعمل في كل شيء إلا السياسة».