بالزاوية : الثقافة الوطنية
حينما انطلق الحراك الشعبي بشكل متسلسل في البلدان العربية قبل سنوات قليلة, وأعاد الاعتبار مجدداً إلى دور الجماهير في مجرى الأحداث الكبرى وبدء التغيير, لم يعر الكثيرون اهتمامهم الى ذلك الجانب الآخر من دوافع الأزمات الوطنية وأشكال الحراك الشعبي المختلفة, والمتمثل في دور «الثقافة الوطنية» كمكون أساسي للهوية الوطنية.
كان هناك ولا يزال نضال فكري «متقطع» لإبراز دور العوامل الاقتصادية والاجتماعية وحصتها مع العوامل السياسية، وهو ملح وضروري, كما أن هناك أولوية للتصدي المباشر لما يراد إبرازه من تناقضات ثانوية في الوعي الاجتماعي, لكن تطورات الواقع وبدء وقوع «معارك» سياسية ترتدي طابعاً ثقافياً، بات يشير الى أهمية النضال على هذه الجبهة.
إن مسألة دور «الثقافة الوطنية» وقياس درجة تضررها أو التحولات التي تطرأ عليها, لم تدرس بعد بالشكل المطلوب, خاصة من حيث دورها في تطور الحراك الشعبي, أو إمكانية حرفه عن أهدافه الحقيقية, والملاحظ أيضاً أن القوى الفاعلة في أزمات منطقتنا قد «سخنت» مؤخراً الجبهة الثقافية في إعلامها, لكنها لم تغير منطقها, فهي من جهة تصوغ وعي الجماهير واصطفافاتها بمعيار الثنائيات الوهمية «طائفية ,قومية,..» ومن جهة أخرى تفتح الباب لشتى أنواع «التغريب» بمعنى إسقاط منظومات مقاومة الغرب الإمبريالي من الوعي الاجتماعي, وخير مثال على هذا المنطق نقاش مسألة «الإسلام السياسي» في الإعلام الرسمي وأشباهه وفي بعض النتاجات الثقافية «محلياً وعربياً».
تشتمل الثقافة الوطنية في ظروفنا الملموسة على مكونات متعددة, ولها حوامل متداخلة، بدءاً من الموروث «تاريخ ,آداب وفنون ,عادات وتقاليد..»، وصولاً إلى المنتجات الثقافية العصرية للدولة الوطنية, تتكثف كل هذه العناصر لتنتج في المحصلة مفاهيم أساسية في الوعي والسلوك الاجتماعي, أخطر تلك المفاهيم «سياسياً» وأكثرها استهدافاً, هي تلك التي ترسخ الانتماء الوطني وأولويته على الانتماءات الضيقة الأخرى وتقاوم في المقابل كل ما يهدد الهوية الوطنية «في ظرفنا الملموس: ثقافة الليبرالية الجديدة المرتبطة بالغرب», ومن هنا يبرز السؤال الملح :ما هي طبيعة القوى التي يمكن أن تحمي وتنتج ثقافة وطنية حقيقية, وأين هي بالفعل؟