عذراً أيها المنجمون

عذراً أيها المنجمون

أليس التوازن الدولي هو ما يمكنه التنبؤ باستحالة سقوط النظام السوري أو انتصار المعارضة المسلحة...!؟  أليس من اليسير بمكان التنبؤ بحدوث انفجار قد يودي بحياة عشرات السوريين أو اللبنانيين مثلاً...!؟؟

أليس من المنطقي استقراء ذاك الاشتباك الأمني الحاد الذي ستشهده ربوع «طرابلس» المليئة بالجهاديين...!!؟  هل كان زياد الرحباني منجما ً عندما استقرأ قبل شهور طويلة مظاهر الدم التي ستشهدها مصر في الأيام الحالية والقادمة....!!؟ 

مع اقتراب كل عام جديد، يظهر لنا «عَلًم» جديد ليروي أحلامه ورؤاه على وقع موسيقا تصويرية، تحاول تحفيز المستمعين بشكل أو بآخر، «فغالي» سيعتلي منبر الـ otv  أما «زعيتر» فسيلقى حظه المعتاد على الـ mtv  أو الـ lbc  في حال انشغال الأولى بإحدى حفلاتها الصاخبة، وبذلك يتقاسم «غريبو الأطوار» هؤلاء فضائيات الإعلام كل سنة لدرجة يصبح معها «التنبؤ» بما سيقولونه ويرسمونه للعام الجديد أكثر «مصداقية» و«منهجية» من تنبؤاتهم بحد ذاتها ...!، ولكن ومع ازدياد مساحة «النبوءة» في قنوات الإعلام وفضائياته يصبح من المستحيل تجنب سماع رواية أحدهم وهو يقص ما روته له مصادره «الغيبيّة».....
«سيشهد السوريين عاماً أفضل من الـ 2013»  بهذه الجملة يفتتح أحد متنبئي الشاشة الصغيرة حديثه عن سورية وما تخفيه لها أيام العام الجديد، جملة ربما لم ينجح صاحبنا أو قناته «الذكية» في إثارة الفضول المعتاد لسماع باقي تفاصيل الخطة السنوية التي ترسمها أحلامه للحدث الذي يشغل بال الكثيرين، فالأزمة السورية - وبالنسبة للسوريين على الأقل - ليست رهينة تفاؤل صديقنا هذا أو تشاؤم ذاك، والسوري وإن كان غريقاً في دوامة العنف والدم التي تحيط ببلاده فهو حتماً لن يعلق آماله على «قشة» الأكاذيب هذه.
يدرك السوريون بشكل لا لبس فيه أن قضيتهم أو أزمتهم ليست محط استثمار إعلامي، كما أنها ليست مجرد ضرب  من التسلية نمضي به ليلة رأس السنة، والأهم من هذا وذاك أنها ليست ضحية  لجملة الأحاسيس التي نمر بها في وداع سنة الـ 2013، فمع حجم المآسي التي مر بها السوريون في الأعوام الثلاثة الماضية، بات أغلبهم يدرك أن سورية تحتاج لما هو أبعد من حدود «التشاؤم» أو «التفاؤل» الذي قد يحاول البعض إملاءه علينا بألعابه الإعلامية القذرة، هي أزمة تستحضر فينا العقول التي قد ترى بقدرتها ما هو أبعد من إحساس «فلان» أو عاطفة «فلان» آخر...
تحتاج سورية اليوم وبأكثر من أي وقت مضى إلى تلك العقول الباردة التي تستطيع عبرها وحدها رسم خطاها ومستقبلها لعقود ٍ قادمة لا تستطيع حتماً أن ترسمها حظوظ الأبراج وتنبؤات المنجمين أو ترهاتهم...