بالزاوية : جرد حساب متأخر
ما الذي يمكن أن نودع به هذا العام «الكبيس»؟ ما هي الخسائر الكبيرة والصغيرة التي يتوجب علينا أن نحتسبها ونحفظها في ذاكرتنا الصلبة؟ وكيف لنا أن نجدول خساراتنا «الحقيقية» بحسب أولوياتها؟
لا لنرثي فقط ما يتوجب فقده الرثاء، أو نطهر ذاكرة الشجن والحنين من آلام الصدف والتفاصيل الثانوية، ونحفظ ما هو ضروري وجوهري حقاً، بل لكي نفي بواجباتنا وحقوقنا إنسانياً «أخلاقياً» تجاه ما خسرنا، وتجاه الناس الذين رحلوا! وكي نستمر في المقاومة والكفاح ولنكون جديرين بالمستقبل!
قد لا تفيد هنا كل الاستعارات التقليدية والأمثال الشعبية ولا حتى الحكم المتوارثة التي تعتقت مع الزمن وكثفت في بلاغتها المختصرة تجارب الأقدمين! فما بات مطلوباً منا كسوريين يحتاج إلى ما هو أبعد من المواقف العامة أو ردود الفعل المباشرة، وأعمق من التأثير النفسي المباشر لكل الخسائر المتنوعة، إذ هل يحق لنا أن نكتفي بالمراثي الواجبة، أو أن نقفز فوق الزمن في عامنا المنصرم دون أن نجري «جرد» حساب صارم مع أنفسنا أولاً ومع كل ما حولنا ثانياً؟
بات جرد حساب أكثرإلحاحاً من أي وقت مضى، في كشف قاس وشامل لمجمل الحال بدءاً من توصيف مشهدنا الحالي وتقييمه وانتهاء بمحاسبة كل القوى والأطراف، المجموعات والأفراد، المؤثرين أو «الصامتين» منهم، على طريقة أدائهم ودورهم في هذه الأزمة المدمرة وهي تدخل عامها الثالث، وفي نقد قاس لكل «التقلبات» والمواقف والآراء السابقة واللاحقة.
ستشكل نتائج ومآسي الصراع في أزمتنا وحجم خسائر السوريين الهائل، سداً معنوياً محبطاً يمنعهم من إجراء «جرد» حساباتهمِ، خاصة في ظل استماتة طرفي الصراع المتشددين لتيئيس الناس وابعادهم عن أي عمل حقيقي، ودعايتهم تقول: إذا كانت الخسارة مفجعة و«نهائية» إلى هذا الحد فبماذا ينفع جرد الحساب؟
مع نهاية هذا العام، والحديث عن اقتراب الحل السياسي، قد يكون جرد الحساب هذا أكثر ما يخشاه طرفا الصراع المتشددين، لكنه سيكون ممراً إجبارياً إن لم يكن اليوم فقريبا جداً، فهل نتنازل كسوريين عن إجراء هذا الجرد بأيدينا وانطلاقاً من أنفسنا؟