بالزاوية : انفتاح الأفق
إن تعبير «انسداد الأفق» هو تعبير قديم من الناحية التاريخية! بل إن استخدامه بالمعنى الدلالي اللغوي، وحتى توظيفه الأدبي والسياسي ليس جديداً أبداً !
هذا ما اكتشفته أثناء تقليب صفحات مرجع تاريخي يعرض نقلاً وترجمات لنصوص أدبية قديمة أو «أثرية»، وهو جزء من سلسلة شيقة تتحدث عن «آداب» الحضارات القديمة في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، أما الصفحات الطريفة التي وقعت عليها فهي ترجمة لنصوص «فينيقية» الأصل، وللدقّة فإن الباحث المحقق في لغة هذه الآثار قد استعمل كلمة أخرى غير «الانسداد» لدى ترجمة أو نقل هذا التعبير عن لغته الأصلية لكنها لا تقل بلاغة، فقد قال: احتجاب الأفق ،أو «انغلاق» الأفق بما يشبه انغلاق الباب أو الطريق!
وبحسب ما يشير أحد النصوص يبدو «انغلاق الأفق » كمصطلح «ملاحي» في البداية! يقول البحار الفينيقي العجوز موصياً ابنه: «يا بنيّ لا تبحر بمركبك اليوم، فإن هذه الغيوم السوداء تبتلع النجوم في الليل، وتحجب قوس الأفق في النهار، لن تعرف الجهات وستهلك في البحر.. ليس أخطر على البحّار من اختفاء النجوم وانغلاق الأفق».
وفي معنى أعمق ينشد منادي المدينة: «« لقد كسرنا المعتدين على أبواب مدينتنا.. انطفأت عينا ملكهم البائس.. هاهو يهدم حصون مملكته.. لقد انغلق أفقه»! والمقطعان مقتطفان من ملحمة شعرية طويلة، وجدت أجزاء منها منقوشة على ألواح حجرية متفرقة! لكن وبعيداً عن التاريخ وعن مماحكات اللغة، فإن تعبير انسداد الأفق هو من أكثر التعبيرات بلاغة وبخاصة لدى استخدامه سياسياً في إشارة إلى الانكفاء والهزيمة أو الموت أحياناً! نقول مثلاً: إن هزائم الحركة الثورية العالمية في النصف الثاني من القرن العشرين لم تكن إلا انسداد أفق مؤقت في وجهها وانفتاح أفق مؤقت لأعدائها! وإن الأزمة الرأسمالية العظمى ستغلق الأفق التاريخي نهائيا أمام الرأسمالية في العالم !
ملاحظة : الأفق في المعجم : هو الخط الذي ينتهي عنده امتداد البصر، تبدو السماء عنده كأنها ملتصقة بالأرض أو البحر