بالزاوية : المتشائمون
حسناً.. يبدو أن هناك كثيراً من «المتشائمين» رغم كل التطورات والتبدلات! ومن الواضح أن الشتاء الوافد بحماس لم يحمل الفرح الكافي إلى قلوب الناس،
ورغم الثلوج والأمطار الغزيرة فإن رائحة الأرض المتفتحة والتراب المرتوي لم تنبّه مستقبلات السرور والنشاط في أنوف الفلاحين والرعاة!.
ليست الخسائر الهائلة ولا معاناة التهجير والترحال ولا كل مآسي الحرب هي الأسباب الوحيدة لهذا «الاكتئاب»، وليس ضيق الحياة ولا هذا التحايل البائس عليها، ولا تمثيل الناس لأدوار فاشلة أمام كاميرات الإعلام «الحربي »، ليس هذا وحده هو ما ينصب خيمة الهم والإحباط تحت «سقف» الوطن وفوق رؤوس الفقراء والمعذبين، لقد اعتاد الناس على المعاناة اليومية، وعلى سماع الأخبار السيئة وحتى على مشاعر القلق والخوف، الخوف المستمر من كل شيء وعلى كل شيء! كل هذه الحالات أصبحت عادية ويمكن التكيف معها، وليس ذلك وحده هو ما «يصبّر» وجوه «المتشائمين» ويجعل عيونهم غائرة ونظراتهم ساهمة، كما أن مشاركة آلام الآخرين ممن فقدوا أهلاً وأحباء، أو خسروا بيوتاً وأعمالاً، هي في النهاية تعزية بالخسائر الصغيرة لمن لم يخسر الكثير! فمن أين يأتي هذا «التشاؤم» إذاً؟
الأرجح أنه ينبعث من فقدان الأمل بالمستقبل، وأنه يستمد من إدمان «الهزائم» حتى تتغلغل في النخاع والمورّثات! والواضح أن المتحكمين بمجرى هذا الصراع المدمر والعقيم يدركون أن الأذى والإنهاك الذي أصاب المجتمع غير كاف كي يخرج من المعادلة كما يتمنون، ويلزمهم لذلك نشر شتى أنواع التيئيس والإحباط، بما في ذلك الاستثمار بالتشاؤم بل و«تمثيل» هذا التشاؤم أحياناً وممارستهم السياسة على أساسه ثم محاولتهم جر الناس إليه.
إن طرفي الأزمة المتشددين سيستميتان ليفقدوا الناس الثقة بأية مبادرة للحل ومثلما يوجد تفاؤل مخادع هناك تشاؤم مخادع أيضا، والتشاؤم المعني هنا هو ذلك الذي يدعو الشعب السوري إلى الانسحاب من معركته الحقيقية وتعرية أعدائه الحقيقيين. ليس مسموحاً للسوريين أن يسقطوا في هذا النفق! ليس مسموحاً أن تتحول دماؤهم وآلامهم إلى سدّ يقعدهم أسرى ويمنعهم عن صنع مستقبلهم بأنفسهم!