تكفيريون.. ولكن علمانيون!
(حاول) نبيل فياض أن يصرخ في وجه الطائفية المقيتة، لنراه ينزلق هو نفسه إلى مستنقع خطاب طائفي يتماثل إلى حدٍّ كبير دعوات أبي قتادة أو العرعور «الجهادية» ولكنها بلبوسٍ «علماني».
ما برح بعض علمانيي المشرق العربي يقصّون لنا مغامراتهم «التاريخية» عن عدائهم المرّ للإسلام, عبر كتاباتهم وآرائهم البالية، والتي لا تعدو أن تكون مجرد سباب وشتائم رخيصة، ليس لها أية قيمة معرفية أو تاريخية، وأيضا من خلال صراعهم الحثيث اليوم ضمن دوامة «إما المجتمع المدني- مجتمع الغرب- أو الإسلام السياسي». في كتاباتهم تتنوع صكوك الغفران التي قدموها للغرب, تغنوا بديمقراطية الغرب وصناديق اقتراعه، فتناسوا، عن حسن نية أو عن سوئها، شعوبا ً وأمماً منهوبة، لم تملك حق اختيار مصيرها الذي يتحكم به سدنة الديمقراطية الغربية.
مجرد قراءة سريعة لما كتبوه في مديح المجتمعات الغربية، توحي للقارئ بما يعانيه هؤلاء الكتاب من سطحية في فهم تطور تلك المجتمعات، فتراهم يسرفون في الحديث عن نتائج ذلك التطور ومفرزاته دون وضعه في سياقه التاريخي ومجراه الطبيعي, وقد يكون هذا التجنب غير ناجم عن نقص معرفي بقدر ماهو محاولة منهم لإخفاء بعض ما ارتكبته تلك الدول بحق شعوبٍ أخرى، من نهب واستعمار وصل إلى حد الإبادة, ولأن ذلك قد يلهيهم عن غزلهم «الدونيّ» بالثقافة الغربية.
اليوم يتابع هؤلاء مسيرتهم «النضالية» كأداة طيّعة في خدمة الاستقطابات الوهمية التي يحاول الغرب عبر أدواته المختلفة خلقها وتكريسها لإيجاد المزيد من الاصطفافات الفوضوية الخلاقة , وعليك أنت أيها المستمع أن تختار أحد هذين المتصارعين: أحدهما ينسف تراث الشرق، والآخر يدعي امتلاكه، فيبقى الشرق هو الضحية.
ولكن مهما علا الصراخ بين هذين الطرفين، يبقى كل ٌّ منهما أداة في خدمة الخطط الصهيو- أمريكية، في نهاية المطاف. عبر تحريفهم الصراعات الأساسية للشعوب، وتقزيم الصراع أو تصويره بثنائيات وهمية.
ويبقى لشعوبنا أن تخط طريقها بنفسها، لا تحت وصاية الغرب وممثليه «العلمانيين» هؤلاء، ولا تحت وصاية التكفيريين، الذين هم الوجه الآخر لعلمانيي الغرب، لأن كليهما متفق على وأد التراث، كلٌ بطريقته.
إن لشعوبنا علمانيتها التي تستند إلى أفضل ما أنتج في تراثنا، وأفضل ما قدّمته البشرية معرفةً وعلوماً.