أوراسيا وأمريكا اللاتينية في خطوة أخرى ضدّ الدولار
تنشئ روسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي مع دول أمريكا اللاتينية عملة موحدة للتسويات المتبادلة. تمّ الإعلان عن هذا المشروع المشترك واسع النطاق خلال المنتدى الاقتصادي الأوراسي الثاني، الذي عقد مؤخراً في موسكو. من بين الخيارات كانت العملة الرئيسية التي تمّ الحديث عنها هي «سوكرِه sucre».
ترجمة: قاسيون
تمّ استخدام «السوكرِه» منذ 2010 و2012 في التسويات المتبادلة من قبل 11 دولة في أمريكا الوسطى والجنوبية، من الدول الأعضاء في التحالف البوليفاري لشعوب الأمريكيتين «بانا BANA»، الذي تأسس عام 2004 ويجمع: بوليفيا وفنزويلا وكوبا ونيكاراغوا وخمس دول ناطقة باللغة الإنكليزية في المنطقة. لدى إيران وسورية وهايتي أيضاً ارتباطات بهذا التحالف، وقد مُنحت روسيا وضع الضيف فيه. يتم تنظيم مدى الملاءة المالية– أي معدّل وجود «السوكرِه» - بشكل مشترك من قبل البنوك الوطنية في البلدان المشاركة، بما في ذلك من خلال معدل خاص يشجّع التجارة فيما بين دول الكتلة، وكذلك مع البلدان الأخرى. وكذلك تنظيم استخدام العملات الأجنبية أو تدخلات «السوكرِه» في الأسواق المالية الوطنية، عبر الحفاظ على ملاءة حيازة هذه العملات مجتمعة.
في خطابه أمام المنتدى، أوضح الفنزويلي فيليكس بلاسينسيا، الأمين العام لبنك «بانا» التجاري الدولي، أنّ خيار «السوكرِه» يجري العمل عليه كأساس لمشروع عملة دولية جديدة مخصصة للتسويات المتبادلة بين الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوراسي ودول التحالف البوليفاري. تمّت الموافقة على هذا المشروع من قبل جميع المشاركين في المنتدى. وعلى ذلك، «فاحتياطي الدولار»، كما كانت تقول دول أمريكا اللاتينية منذ عقود، سوف يكون مصيره إلى الزوال. وبفضل مشروع العملة الجديدة، سيتم بين روسيا ودول أمريكا اللاتينية تبادل العملة، والدعم المالي بشكل مستقل عن الغرب. هذا السيناريو شديد الارتباط بالتحولات العالمية التي على الجميع ترقّبها اليوم.
أولاً: لم تنضمّ دول أمريكا اللاتينية- وذلك بالرغم من الضغوط الكبيرة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- إلى العقوبات الغربية ضدّ روسيا وبيلاروسيا. كما أنّها لم تنضمّ «إلّا بعضها وعلى فترات» إلى العقوبات الأمريكية ضدّ كوبا من قبل، والموجودة بشكل مُتنامٍ منذ بداية الستينيات من القرن الماضي.
ثانياً: وكما لوحظ أثناء انعقاد المنتدى، فخلال العامين أو الثلاثة القادمين سيزداد حجم التجارة المتبادلة بين الدول الحاضرة على الأقل مرّة ونصف، وذلك بسبب ازدياد الواردات من الاتحاد الروسي ودول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لأنواع مختلفة من المعدات والمنتجات الهندسية الخاصة بالنقل «بما في ذلك قاطرات وعربات القطارات»، والمعدات الآلية، والأنسجة الطبية، وألبسة الحماية الخاصة بالعمل. بالإضافة لذلك ستتم زيادة واردات المنتجات الصناعية الكيميائية، والقمح والمنتجات المعالجة المتفرعة عنها.
كما ستزيد الواردات من دول أمريكا اللاتينية، والتي تشمل بشكل أساسي: منتجات المعادن غير الحديدية، والأجهزة المنزلية، ومنتجات الزراعة الاستوائية وشبه الاستوائية، وعدداً من المواد الخام المرتبطة باللحوم «لحم البقر، والضأن»، والأنسجة وغيرها من المواد الخام. في المقابل، سيؤدي الانتقال إلى عملة دولية جديدة، مناهضة للدولار بشكل أساسي- للعديد من بلدان أمريكا اللاتينية، جنباً إلى جنب مع روسيا- إلى مضاعفة التجارة المتبادلة وتسريع التسويات التجارية.
من المميزات أيضاً أنّه منذ عام 2022، تتزايد حصة ليس العملات الوطنية فقط، بل أيضاً المقايضة في التسويات المتبادلة بين الاتحاد الروسي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ودول أمريكا اللاتينية من أجل التوريدات المتبادلة. وعليه، فعمليات التسليم التي يوجد فيها تبادل تجاري لمجموعات محددة من السلع بأسعار متفق عليها دون تسويات نقدية. أوصى المنتدى في الختام: «.... يجب أن تعمل دول أمريكا اللاتينية والدول الصديقة الأخرى معاً لتشكيل نظام نقدي ومالي عالمي جديد ... سيسمح لنا ذلك بالتخلّص من هيمنة الدولار، وزيادة تعزيز العلاقات بين البلدان، وزيادة حجم التبادل التجاري متبادل المنفعة».
اتجاه مُتنامٍ
تمّ التعبير عن الآراء المشابهة التي تريد تسريع بناء نظام تبادل دولي يتخلّص من الدولار عبر وزيرة التمويل والتجارة الخارجية لفنزويلا، إيلوينا رودريغز غوميز عندما قالت: «اليوم نشهد بأنّ العالم بأسره هو ضحيّة لهيمنة الدولار. نحتاج إلى آلية تمويل جديدة تزودنا بالحرية الحقيقية للتجارة الدولية». وفقاً للوزيرة الفنزويلية، فقد حان الوقت كي تجمع الدول الكثيرة التي تعاني قواها معاً: «من أجل الإطاحة بهيمنة الدولار، وهو العمل الذي بات اليوم يكتسب زخماً حقيقياً بالفعل». تمّ التعبير عن الأمر ذاته من وجهة نظر الدولة التي تعاني من العقوبات والحصار الأمريكي منذ عقود: كوبا، على لسان المستشار الاقتصادي لسفارة كوبا لدى الاتحاد الروسي نيلد غويرا موريرا.
بالفعل، بعد المؤتمر بوقت قصير، وقّعت روسيا مع كوبا حزمة من الوثائق البينية الحكومية في هافانا، والتي ستؤدي في الحدّ الأدنى إلى زيادة 30٪ في التجارة المتبادلة ما بين عامي 2023 و2025. الأهمّ من ذلك: أنّ هذه التبادلات ستعتمد على أنظمة المقايضة والعملات الوطنية. تنصّ الوثائق التي تمّ توقيعها أيضاً على تنفيذ مشاريع روسيّة كوبية في كوبا تغطي 10 قطاعات، بما في ذلك الآليات الزراعية المتقدمة، وصناعة الإنشاءات، والمعادن غير المعدنية، وإنتاج النفط وتكريره في المصافي، وصناعة الغذائيات. لأوّل مرة في العلاقات الاقتصادية الروسية الكوبية، تمّ التخطيط لمشروع كبير، مثل: إنشاء منطقة اقتصادية حرة للاستثمار والتصدير في منطقة ميناء مارييل بالقرب من العاصمة الكوبية هافانا.
يقول الاقتصادي فاسيلي كولتاشوف: «قدرة روسيا على مقاومة العقوبات وتحقيق النمو والبحث عن الشراكات هي عكس ما أرادته الولايات المتحدة بشكل تام. ولكن ليس هذا وحسب، فالمشاكل تنمو في الولايات المتحدة نفسها: في الربع الأول من هذا العام وحدة، سحب الأمريكيون نصف ترليون دولار من حساباتهم وإيداعاتهم. لا يثق الناس بالنظام البنكي وبالإدارة الأمريكية، كما أنّ الأزمة العقارية بدأت تكشف عن نفسها، وهذا وسط تراجع الاستثمارات التجارية. ستستمر السوق الأمريكية بالانكماش، والحكام في البيت الأبيض لا يمكنهم الاعتراف بأنّ العقوبات ضدّ روسيا قد فشلت في مساعيها. إن فعلوا ذلك سيصبح صوت الأمريكيين أعلى في أسئلتهم عن النفع من محاولة العقوبات ضدّ روسيا، بينما هم يدفعون الثمن».
بالعودة إلى المنتدى الاقتصادي الأوراسي الثاني، يبدو أنّ الجميع متفق على أنّ مشروع العملة الجديدة، والتبادلات التجارية، وطرق تسوية المدفوعات المأمولة، هي فرصة جديدة لتطوير الشراكة الاقتصادية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي مع كامل أمريكا اللاتينية ودولها. وعليه، يمكننا أن نرى بأنّ روسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي ودول الأمريكية اللاتينية قد مضوا في خطوة بالفعل نحو تشكيل نموذج مالي واقتصادي جديد، يقوم بشكل أساسي على المساواة الاقتصادية والسياسية بين الدول. عملياً، كان هذا تحدٍ خطير للهيمنة الغربية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1126