الحراكات الشعبية لا تنتهي إلا بمعالجة الأسباب الجذرية التي أنشأتها... ما دامت الأسباب قائمة فالحركة ستعود... عاجلاً أم آجلاً!

الحراكات الشعبية لا تنتهي إلا بمعالجة الأسباب الجذرية التي أنشأتها... ما دامت الأسباب قائمة فالحركة ستعود... عاجلاً أم آجلاً!

لسان حال الأغلبية من السوريين، ونتيجة المعاناة والجور والظلم والتدهور المستمر على كل الصعد، هي أنه «لم يعد هنالك أسوأ مما يجري». لهذه المقولة جانبان متلازمان يعبران عن الاحتمالين الكامنين ضمنها؛ الأول إيجابي يعبر عن استعداد وتأهب للانخراط في العمل من أجل التغيير، للانخراط في نشاط سياسي واسع بأشكاله المختلفة للوصول إلى التغيير. الثاني سلبي يعبر عن اليأس أكثر مما يعبر عن الأمل، وهذا خطير لأنّه يعني إما الانكفاء وعدم الانخراط في أي نشاط تغييري، أو الاندفاع بشكل يائس وغير مدروس...

الاندفاع اليائس غير المدروس هو ما يجري الدفع له بشكل مفضوح من جانب متشددين في النظام والمعارضة، وخاصة من شخصيات ظهرت فجأة وتم وضعها تحت مركز الضوء الإعلامي. الغرض واضح وهو محاولة استباق الحركة الشعبية التي تختمر ظروفها من جديد بشكل متسارع؛ استباقها عبر دفعها إلى الشوارع بشكل غير منظم وغير مدروس وعبر أعداد قليلة من الشبان المتحمسين، والهدف هو أن يجري كسر ظهرها مبكراً وقبل أن تكبر حتى تجري «تربية البقية» عبر الضربات الأولى. في إطار استباق الحركة أيضاً، فإنّ عدداً كبيراً من «المعارضين الطارئين»، لا يحاولون الدخول في صفوفها فقط، بل يسعون إلى التحول إلى مركز قيادتها وتوجيهها، بغرض الاستكشاف المسبق لها تمهيداً لتطويقها وإنهائها، أو لتحويلها مرة جديدة إلى مطية لتجديد العنف والحرب... والهدف بكل الأحوال هو بالحد الأدنى منع التغيير، وبالحد الأعلى إنهاء سورية بشكل كامل.

أمام هذين الجانبين/الاحتمالين، ورغم القهر الذي يعيشه الناس، إلا أنها تظهر قدراً من الوعي يدل على إحساسها السليم الذي اكتسبته من التجربة المرة ودفعت ثمنه عذابات كبرى؛ فمن جهة تعلم الناس أنّ التحرك ضرورة لأنّه لا مجال للتغيير نحو الأفضل إنْ تركت الأمور لمن يتحكمون بها في النظام وفي المعارضة، بل ولا يمكن أن يتوقع المرء من المتحكمين سوى المزيد من الخراب والتدهور. ولكن في الوقت نفسه، وبالاستفادة من التجارب السابقة، تسعى الناس لدراسة خياراتها ولاختيار أشكال تحركها، فلا تحصر نفسها بشكل محدد، التظاهر مثلاً، بل تبحث عن أشكال إبداعية متعددة للنشاط، وتبحث عن تدرج مناسب له، بحيث تتجنب الوقوع في الأفخاخ المنصوبة لها من الداخل ومن الخارج...

في هذا السياق، ربما يكون من المفيد أن توضع بين يدي الحركة الشعبية بطورها القادم، وبشكل مختصر، بعض الطروحات النظرية والعملية المتعلقة بالحركة الشعبية، والتي طرحها حزب الإرادة الشعبية عبر السنوات الاثنتي عشرة الماضية:

أولاً: تعريف الحركة الشعبية

«الحراك الشعبي هو ظاهرة موضوعية إيجابية تعبر في العمق عن حاجات المجتمع ومتطلباته». (بلاغ عن اجتماع رئاسة مجلس اللجنة الوطنية، 19 نيسان 2011).

«الحركة الشعبية بمعناها الواسع، هي انخراطٌ متزامنٌ لأعداد كبيرة من الناس ضمن مجتمع معين، في النشاط السياسي». (الموجة الآتية من الحركة الشعبية، 5 أيلول 2021).

«الحركة الشعبية، أو «النشاط السياسي المتصاعد للجماهير»، هو ثالثة الأثافي في إيقاد نار التغيير. الأولى هي أنّ «النخب»، أو من هم «فوق»، لم يعودوا قادرين على إدارة الأمور وممارسة الحكم، والثانية أنّ من هم «تحت» لم يعودوا يحتملون العيش ضمن الظروف نفسها. وتأتي الحركة الشعبية لتضع الأساس الثالث للتغيير الذي لا يكتمل إلا بتحول «النشاط السياسي المتصاعد» إلى «نشاط سياسي متصاعد ومنظّم للجماهير» ... وإذا كان حال من هم «تحت» هو في صعودٍ متواتر ومستمر، فإنّ حال «النخب» الذين هم «فوق» يسير بشكل متسارع نحو مزيد من الانحطاط والهزال». (افتتاحية قاسيون 1094: الحركة الشعبية تَصعد و«النخب» تَنحطّ!، 30 تشرين الأول 2022).

ثانياً: موضوعية الحركة الشعبية ودوريتها

«إن التحركات الشعبية الرافضة لطريقة العيش السابقة التي تكونت وترسخت أثناء سيادة نظام الاستعمار الجديد، بما أفرزته من أنظمة اجتماعية اقتصادية- سياسية، هي تعبير عن موجة موضوعية لا يمكن منع انطلاقها». (الافتتاحية: ملاقاة الجماهير بملاقاة مطالبها، 22 شباط 2011).

«الأزمة الرأسمالية الاقتصادية العالمية هي أزمة شاملة وعميقة وليست عابرة ومؤقتة، وتثبت انسداد الأفق التاريخي أمام الرأسمالية كنظام، وبالمقابل انفتاح الأفق أمام قوى العملية الثورية في العالم. وبعد الذي حدث في تونس ومصر، وما يجري في العديد من البلدان العربية، لم تعد قضية عودة الجماهير إلى الشارع محل نقاش، كذلك موضوعة أن (البدائل تكوّنها الحياة في رحم عملية التغيير الثوري) لم تعد محل نقاش أيضاً، خصوصاً أننا نمر بمرحلة ثورة وطنية ديمقراطية معاصرة تندمج فيها المهام الاجتماعية الجذرية اندماجاً وثيقاً مع المهام الوطنية العامة ومع المهام الديمقراطية. وهذا يؤكد أن فضاءً سياسياً جديداً يولد وآخر يموت، فالجماهير كانت ولا تزال هي القوة المحركة لكل الانتفاضات في التاريخ». (بلاغ عن اجتماع مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، 4 آذار 2011).

«الحركة المتصاعدة المستقلة نسبياً للنشاط السياسي للجماهير الشعبية الواسعة... هذه الحالة تتكرر في التاريخ بشكل دوري تقريباً، وهي ليست جديدة، ولكن تفصل بين دورة وأخرى فترات زمنية طويلة، من 50 إلى 100 عام، ما يجعل الأمر مفاجئاً وغير معتاد بالنسبة لمن يعاصر موجة كهذه. وتعقبها بعد انتهائها فترة هدوء، ما هي في نهاية المطاف إلاّ فترة كمون لنهوض ونشاط سياسي واسع جديد للجماهير.. وخلال فترة الهدوء والكمون، تتراكم المشكلات التي تتطلب الحل، وتتراكم المطالب التي تبقى دون حل، وتتراكم درجة شحن المجتمع لانفجاره اللاحق، وكل ذلك يخلق سراباً ووهماً بأن كل شيء بخير ويتعود أولو الأمر على التعاطي بعدم جدية، وباستخفاف مع مطالب المجتمع، وتزداد ثقتهم بأنفسهم مقتنعين أن جهاز دولتهم القمعي القوي قادر على حل كل المشكلات.. ولكن عندما تأتي الموجة الجارفة التي يعبر عنها النشاط السياسي المستقل للجماهير، المستقل عن جهاز الدولة، والمستقل عن البنى السياسية التقليدية، فإذا بها لا تبقي ولا تذر، لأن طاقتها المخزونة خلال الكمون تكون هائلةً وقادرةً على صنع المعجزات. وهي بجوهرها تعبيرٌ عن نضج موضوعي لضرورة إحداث تغييرات عميقة في المجتمع وفي بناه الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية». (الافتتاحية: درس أساسي، 29 آذار 2011).

«الحركة الشعبية في جوهرها، هي النشاط السياسي العالي للناس، والذي يرتدي أشكالاً شديدة التنوع والغنى. وهذه الحركة هي أقرب ما تكون إلى «قَدرٍ موضوعي»، أي إنها محكومة بقوانين تاريخية، ولا يمكن توليدها عبر «التآمر الفوقي» أو عبر اجتهاد مجموعة من «النخب»، بل إن ظهورها في جوهره هو مسألة عفوية، ناتجة عن ارتفاع مستوى عدم الرضا الاجتماعي بشكل تدريجي ولكن طويل الأمد. هذا لا ينفي بحال من الأحوال، أن كل حركة شعبية تواجه محاولات عديدة للاندساس ضمن صفوفها وللتآمر عليها من داخلها ومن خارجها، من النظام المستهدف ومن أطراف خارجية. لكن ما ينبغي التأكيد عليه أيضاً، هو أنّ الحركة الشعبية التي نشهدها (ليس في السويداء أو سورية فقط، بل وفي العالم بأسره ووصولاً حتى إلى الولايات المتحدة)، ليست حركة مؤقتة أو عابرة، بل هي حركة ستمتد إلى عدة عقود قادمة، ولن تستكين حتى تحقق مهمتها التاريخية في تغيير وجه العالم؛ هذا ما تُعلمنا إياه قراءة تاريخ القرون الثلاثة الماضية، ابتداء من الثورة الفرنسية وحتى اليوم. وهذا ما تثبته الوقائع عبر العالم بأسره». (في السويداء... ملامح أولى لموجة جديدة من الحراك الشعبي، 14 حزيران 2020).

«حركة الناس ستستمر إلى عقود ولن تنتهي قبل إنجاز مهامها في التغيير... ولكي نفهم الحالة تماماً أقترح أن نوسع دائرة النظر. كل المجتمعات تمر في حالات من هذا النوع؛ ولوحظ منذ سنة 1789، أي: منذ الثورة الفرنسية، درجة نشاط سياسي عالٍ للناس تستمر لفترة طويلة، تنزل الجماهير إلى الشارع ولا تعود إلى المنزل إلّا بعد إنجاز مهمتها، وهذه الفترة عادةً- إذا تابعنا جيداً- هي خمسون عاماً، أول نزول حركة واسعة للجماهير كانت 1789، انتشرت في كل أوروبا- أنجزت مهماتها رمت بالفضاء السياسي القديم، غيرت بنية الدول ثم عاد الشارع إلى حالة ركود لمدة خمسين عاماً. في المرة الثانية التي جرى فيها نهوض، انتقل مركز الحركة إلى الشرق لأن العالم (بالمعنى الرأسمالي) كان يعتبر فقط أوروبا... 1905 (في روسيا) والذي تثبت عام 1917 عبر حركة واسعة لنشاط الناس السياسي في كل العالم الأول استمرت عملياً حتى عام 1945 بعد ذلك جرت العودة التدريجية إلى المنزل من قبل الناس». (د. جميل: الحركة الشعبية مستمرة إلى عقود ولا مفر من التغيير.. نسف سايكس بيكو بوحدة شعوب الشرق واتحاد دُوله، 5 نيسان 2021).

«الحركة الشعبية كظاهرة تاريخية، لا تنتهي دون تحقيق مهامها، هذا ما أثبتته تجارب التاريخ، وما تثبته تجارب الحاضر في كل مكان جرى فيه خداع الحركة بطورها الأول عبر تغييرات شكلية، وبدأت بالعودة مجدداً إلى استكمال عملية التغيير المطلوبة». (افتتاحية قاسيون 1032: الحركة الشعبية و2254، 22 آب 2021).

1134-a-14

ثالثاً: أشكال الحركة الشعبية

«إن ما يحاول البعض تسويقه، وعلى رأسهم الأمريكيون، من أن الحراك عفوي ويجب أن يبقى عفوياً هو خطأ كبير، فالعفوية تعني تسليم زمام المبادرة لقوى غير معروفة التوجهات لإدارة هذا الحراك، وعلى العكس يجب أن تتحول الحركة الشعبية إلى أشكال تنظيم تعرف ما تريد حتى وإن كانت بدائية، وذلك لتبقى ضمن إطار الوحدة الوطنية التي يعبر كل منا عن نفسه بها، وبأشكال مختلفة». (يجب حماية الحراك الشعبي الناشئ من التطرفات المختلفة، 6 أيار 2011).

«إن الحركة الشعبية التي بدأت بالتعبير عن نفسها في البلاد، ولو بوسائل بدائية، ولو استخدمت من قبل قوى مشبوهة في بادئ الأمر لأهداف أخرى، هي حركة مطلوب استمرارها وإيجاد أشكال سليمة وقانونية لتعرّف عن ذاتها بشكل دائم، وفي ذلك تتم رعايتها وحمايتها لأنها الضمان الوحيد والحقيقي للإصلاح الشامل المطلوب في البلاد». (افتتاحية قاسيون 502: قانون الانتخابات.. منظم للحركة الشعبية، 13 أيار 2011).

«الحركة الشعبية التي بدأت كاحتجاج على مظالم محددة ما كانت لتستمر وتتسع تظاهراً إلا لأنها أصبحت تعبيراً عن حاجات ملحّة وضرورية ومتراكمة للتغيير والإصلاح الجذري، فاكتسبت صفة موضوعية وعامة، ووضعت البلاد جدياً على مفترق طرق، بما يمنع العودة إلى الوراء كما يتمنى البعض، وبما يدفع بالضرورة المزيد من الشرائح الاجتماعية للنشاط السياسي بأشكالٍ مختلفة، أقصاها كان التظاهر... لم ينزل الجميع إلى الشارع، لا بل الأكثرية المسماة بالـ«الصامتة» لم تنزل إلى الشارع، وهذا لم يعن إطلاقا أنها بذلك أصبحت في موقع التأييد للوضع السابق، فإلام يعود صمتها «تظاهراً»؟ وهل هي تعد بذلك خارج الحراك أو النشاط السياسي؟؟... الأكثرية الصامتة، صامتة تظاهراً فقط وليست، ولن تبقى، صامتة بأشكال التواصل السياسي والتنظيمي والتنسيقي، وما صمتها تظاهراً إلا لأنها لم تصادف ذاتها فيما يرفع من شعارات، وبالأخص في المسألة الاقتصادية – الاجتماعية والمغيّبة عمداً». (الحركة الشعبية والأكثرية «الصامتة»، 20 أيار 2011).

«إذا كانت الحركة الشعبية قد انكفأت مؤقتاً بسبب السلاح والعنف والقمع والتدخلات الخارجية، فهذا لا يعني إطلاقاً أنها انتهت؛ بل قطعت المرحلة الأولى في تطورها، وهي الآن في حالة يقظة وتحفز إلى حين عودة الوقت المناسب، فالأزمات التي أنزلت الناس إلى الشوارع لم تُحل بل ازدادت تعقيداً، وسلطة السلاح المنتشرة في كل مناطق سورية حالياً، لن تكون لها الكلمة العليا حين يقرر السوريون أن الوقت قد حان لمواصلة المشوار». (افتتاحية قاسيون 1009: بعد 10 سنوات.. الحركة الشعبية ستعود، 14 آذار 2021).

«ينبغي أن يكون واضحاً أنّ الحركة الجماهيرية لا تقتصر على شكل بعينه، ولا تقتصر بالتأكيد على شكل المظاهرات على أهمية هذا الشكل. بل تشتمل عدداً كبيراً من الأشكال، بينها العرائض والإضرابات والتجمع والنقاش السياسي. وكل شكل من هذه الأشكال له وقته المناسب، وينبغي على الحركة نفسها أن تختار الأشكال المناسبة في الأوقات المناسبة وفي الأماكن المناسبة، بحيث تحافظ على نفسها وعلى قدرتها على تجميع المتضرّرين وتنظيمهم بشكل سلميّ يضمن قوة الحركة واستمراريتها وقدرتها على الفعل والتغيير». (ينبغي حماية وتنظيم الموجة القادمة من الحركة الشعبية، 2 آب 2023).

«الحركة الشعبية هي مستقبل سورية ودونها لا يمكن تصور الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المستقبل، ودونها لا يمكن الحديث عن الوحدة الوطنية، فهذه الحركة بجمهورها العريض هي حركة نظيفة خرجت للتعبير عن مطالب محقة ومشروعة، ولكن هذه المطالب أتت على أيدي قوى غضة غير ناضجة بالمعنى السياسي بعد، بحيث كان من الممكن استغلالها والدخول بين صفوفها وتلويثها». (د.جميل لإذاعة شام أف إم 2 آب 2011).

رابعاً: الأسباب التي أدت إلى الحركة الشعبية في سورية

«السياسات الاقتصادية- الاجتماعية المتبعة، خاصةً خلال السنوات الخمس السابقة، هي المسؤول الأول عما آلت إليه الأمور في البلاد... إذ خلقت هذه السياسات ووسعت الأرضية الاجتماعية للاحتجاجات المتسعة وما سببته من إخلال في الاستقرار السياسي للبلاد». (بلاغ عن اجتماع رئاسة مجلس اللجنة الوطنية، 19 نيسان 2011).

«إن انطلاق الحركة الشعبية في سورية... في معناه العميق جاء تحت ضغط ضرورات داخلية تتعلق بالفساد ومستوى المعيشة ومستوى الحريات السياسية، وجاء أيضاً جزءاً وامتداداً لحركة شعبية عالمية معادية في جوهرها لعفن النظام الرأسمالي العالمي وعجزه عن حل المشكلات المتفاقمة والمتراكمة على المستويات كافة، وسورية باعتبارها دولةً نامية هي أحد الأماكن التي تحاول الرأسمالية تفريغ أزمتها فيها، ولذا فإن الحركة الشعبية في سورية التي تعبر عن النشاط السياسي المتصاعد للجماهير في أشكالها المختلفة، خرجت لتحل مشكلاتها المتفاقمة خلال عقود من جهة، ولتؤدي في الوقت نفسه دوراً وطنياً في مواجهة تصدير الأزمة الرأسمالية العالمية إليها». (افتتاحية قاسيون 564: الحركة الشعبية وبناء النظام الجديد، 31 تموز 2012).

«إنّ انطلاق الحركة الشعبية في سورية كان لأسباب داخلية بالدرجة الأولى، تتكثف في بنية اقتصادية اجتماعية ليبرالية ناهبة، أفقرت الناس وهمشتهم. وفوق ذلك فهي بنية يغلب عليها الطابع الأمني ومستوى حريات سياسية شبه معدوم، ما قطع الصلة بين الناس والسياسة، وبينهما وبين جهاز الدولة، وراكم الآلام في الصدور حتى انفجرت دفعة واحدة». (افتتاحية قاسيون 1009: بعد 10 سنوات.. الحركة الشعبية ستعود، 14 آذار 2021).

«إذا أردنا أن ننظر بعمق إلى ما جرى في السنوات العشر الماضية، وبشكل خاص حركة الشارع، أو بكلامٍ آخر أكثر علميةً، درجة النشاط السياسي العالي في المجتمع، الذي لفّ المنطقة كلها، ما هو سببه؟ سببه الضرورات؛ الضرورات التي طرحت نفسها سياسياً- اقتصادياً- اجتماعياً. والمشكلة الأولى، هي أن القوى السياسية الموجودة كانت في حالة موت سريري، أي إنها كانت ضمن فضاء سياسي قديم يحتضر. المشكلة الثانية، هي أن الفضاء السياسي الجديد الذي يعبّر عن هذه الحركة لم يكن قد تشكل بعد. أي إننا كُنّا في حالة مخاض بين قديمٍ يموت ولم يمت بالمعنى السياسي- البنية السياسية، وبين جديدٍ يولد ولم يولد بعد. هذه الحالة التي عبر عنها غرامشي بالقول، إنه في اللحظة بين القديم الذي يموت والجديد الذي لم يولد تظهر الوحوش». (د. جميل: الحركة الشعبية مستمرة لعقود ولا مفر من التغيير.. نسف سايكس بيكو بوحدة شعوب الشرق واتحاد دُوله، 5 نيسان 2021).

1134-a-16

خامساً: عوامل تخريب الحركة الشعبية وتقويضها

«الإمبريالية وخاصةً الأمريكية، تحاول تأريض هذه الموجة أو التحكم بمسارها بطريقتين، الأولى، بحصر نتائجها بالتغييرات السياسية الشكلية ومنعها من أن تتعمق وتصل إلى إحداث تغييرات اقتصادية اجتماعية- سياسية عميقة، أملاً بالحفاظ على الوضع السابق مع بعض التجميل؛ والثانية، بدفع الأحداث نحو فوضى شاملة ليصبح تدخلها المباشر ممكناً، لا بل مطلوباً، وذلك عبر الاستفادة من إغراق الانتفاضة بالدماء، ما يسمح لها لاحقاً بإعادة إنتاج أنظمة جديدة تابعة لها». (الافتتاحية: ملاقاة الجماهير بملاقاة مطالبها، 22 شباط 2011).

«يجري الخلط في الكثير من المفاهيم المتعلقة بالحركة الشعبية في سورية، بدءاً من مفهوم الحركة نفسه مروراً بمكوناتها والأطراف المشاركة فيها، بما وصل إلى حدود اتهام شرائح واسعة من المجتمع بالخيانة والجبن، ومحاولة إلباسها لباساً واحداً وتجاهل التمايز بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، بينما يكمن الخلط الأهم في طبيعة الإصلاح والتغيير المنشود الذي لا شك أنه يختلف باختلاف مصالح تلك الطبقات والشرائح. ولم يكن من شأن هذا الخلط إلا أن أصبح معيقاً للحركة ومغيّباً لأهم عناصر التغيير الحقيقي، وممهداً للاستعصاءات المدمّرة من كل شاكلةٍ ولون». (الحركة الشعبية والأكثرية «الصامتة»، 20 أيار 2011).

«البعض يرفع في وجه الحركة الشعبية شعار الوطنية ويريد من خلال ذلك استمرار فساده، وديمومة قمعه، وإنقاذ نفسه من المحاسبة... والآخر يدعونا إلى مناحة على هامش «كرنفال» الدم السوري لتبرير ما لا يُبرر وطنياً وأخلاقياً، ويشرعن الخيانة الوطنية». (الموقف اليومي.. والحركة الشعبية، 17 آب 2011).

«الخطأ في التعامل مع الحركة الشعبية وفق الخيار الأمني المفرط يمنع تطورها الطبيعي ويشوهها ويعقد الأمور... ويجب أن نكون صارمين أيضاً مع أولئك الذين يريدون دفع الحركة الشعبية من داخلها إلى مهلكها لمنعها من اقتطاف ثمار الشعارات المشروعة والمحقة التي طرحها الشارع في البداية ... فلا مساومة مع النظام في قصة الحل الأمني والقمع البحت، لأنه عملياً حوّل الحركة الشعبية باتجاه آخر وهذا مقصود. هناك في النظام من يريد أن يجهض الحركة الشعبية ويدفعها دفعاً إلى مكان آخر، وهناك خارج النظام من يريد الاستيلاء على الحركة الشعبية وأيضاً دفعها إلى مكان آخر، والطرفان وخذوها كلمةً مني، سيتبين أن معلمهما واحد في النهاية». (د. جميل: لا أحد يستطيع أن يدعي أنه يمثل حركة الشارع، 4 تشرين الثاني 2011).

«سيكون منطقياً خوف القوى المتشددة في النظام من الحركة الشعبية، وخصوصاً رموز وأركان الفساد الكبير، التي ترى في الحركة الشعبية السلمية والمطالبة بالتغيير طرفاً قادراً على فضح ذلك الفساد ومحاربته بكل الطرق الحضارية والسلمية، أن تسعى بحجة وجود المسلحين، وهم موجودون، إلى ضرب السلمي قبل المسلح بخلط مقصود، حتى تفلت تلك القوى من سيف التغيير الذي سيبقى مسلطاً على رقابها طالما الاحتجاجات السلمية قائمة ومستمرة حتى تحقيق المطالب. وبالوقت نفسه فإن بعض قوى المعارضة المطالبة بالتدخل الخارجي تمارس دور قوى الفساد نفسه في جهاز الدولة، وذلك بدفع الحركة الشعبية إلى التطرف والتسلح ورفع شعارات غير واقعية بهدف رفع منسوب الدم واستدراج التدخل الخارجي، وتهيئة المناخ النفسي- الاجتماعي له، مستفيدة من عنف صنوها الآخر في النظام، لذا فهي منطقياً عدو للحركة الشعبية لا يختلف بالجوهر عن قوى الفساد داخل جهاز الدولة، وهي لن تعترف إلا بحركة شعبية ترفع شعارات مطالبة بالتدخل الخارجي وتدويل الأزمة على الطريقة الليبية، أما الشعارات الرافضة للتدخل الخارجي والمطالبة بالوقت نفسه بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية فهي «مؤامرة» من النظام وصنيعة يديه». (لماذا الخوف من الحركة الشعبية؟، 15 تشرين الثاني 2011).

«ينبغي لتحييد الحركة الشعبية إضافةً إلى محاولات قمعها وتسليحها - المحاولات التي لم تنفع في إجهاضها- ينبغي إيهامها بالتغيير، وإلا فإنها ستواصل صعودها حتى تطرد الجهتين المتطرفتين من ساحة الوطن وتعيد توزيع الثروة جذرياً، ولن تكتفي بذلك وإنما ستعزز الوحدة الوطنية وتتجذر في الموقف الممانع وتطوره نحو المقاوم، الأمر الذي يتناقض كلياً مع مشروع أمريكا التفتيتي في المنطقة ويتناقض مع مصلحة فاسدي الطرفين». (الافتتاحية: احتمال ثورة مضادة.. تحت سقف الحوار!!، 27 آذار 2012).

«إنّ الطروحات الطائفية، والطروحات التي تبنت خيار العنف، كانت خدمة كبرى لأعداء التغيير الجذري في النظام والمعارضة؛ فقد وجد هؤلاء وأولئك ضالتهم في تحطيم الحركة الشعبية عبر قسم السوريين عمودياً وفقاً لثنائيات وهمية وإغراقهم في دمائهم، حيث تحول الشعب بمواليه ومعارضيه إلى أداة لصراع النخب الناهبة فيما بينها، بدل أن يكون موحداً على أساس مصلحته الاقتصادية الاجتماعية والوطنية والديمقراطية ضد تلك النخب جميعها». (افتتاحية قاسيون 1009: بعد 10 سنوات.. الحركة الشعبية ستعود، 14 آذار 2021).

سادساً: عوامل استمرار الحركة الشعبية

«هذه الحركة ليست غيمة عابرة وليست سحابة صيف، وليست قضية مؤقتة. سورية والعالم العربي وكل العالم دخل في مرحلة حراك جماهيري عميق سيستمر عقوداً وسوف يحدد حركة التاريخ خلال الفترة القادمة»... «مهمتنا جميعاً إنقاذ الحركة الشعبية والحفاظ على سلميّتها ومنع العنف ضدها، والذي بحجته يراد إدخال البلاد في أتون حرب أهلية، لكي يستطيع الفاسدون الكبار النجاة بما نهبوه من أموال والهروب من المحاسبة». (د. جميل، لقاء شام إف أم 21 تشرين الأول 2011).

«الحركة الشعبية السلمية، والوطنية موضوعياً، وبقوة الطاقة الكامنة، والدفع الذاتي، ستلفظ كل تلك الطفيليات التي تعتاش عليها من هنا وهناك، ومن يحاول حرفها عن مسارها، وستبلور برنامجها المتكامل وطنياً واقتصاديا اجتماعياً وديمقراطياً، والذي يعبر عن مصالح الشعب السوري الواحد، بعيداً عن الروح الكيدية والثأرية. هكذا تقول تجارب معظم الحركات الشعبية في التاريخ، وهذا عهدنا بالشعب السوري كما تؤكد تجربته التاريخية الخاصة». (الموقف اليومي.. والحركة الشعبية، 17 آب 2011).

«وظيفة الحل السياسي عبر القرار 2254 هي تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بنفسه، وهذا الكلام هو في جوهره، تمكين الحركة الشعبية السورية من إعادة تنظيم صفوفها، لأنّ ذلك هو الأداة الأساسية لإنفاذ حق السوريين في تقرير مصيرهم». (افتتاحية قاسيون 1009: بعد 10 سنوات.. الحركة الشعبية ستعود، 14 آذار 2021).

«الحركة الشعبية التي انطلقت عام 2011 لم تكن في جوهرها إلا تعبيراً عن أزمة وطنية عميقة لا تحل بغير تغيير وطني جذري شامل، اقتصادي- اجتماعي ديمقراطي، يصب في مصلحة الأغلبية المفقّرة من السوريين... إنّ تحقيق مهام التغيير يصبح ممكناً فقط حين تتحول الحركة من «نشاطٍ سياسيٍ عالٍ» إلى «نشاطٍ سياسيٍ عالٍ ومنظم». وفي الخصوصية السورية، فإنّ الوظيفة المباشرة للتنفيذ الكامل للقرار 2254 باتت تتلخص في مسألتين، أولاً :تنفيذ القرار هو الإنجاز المكافئ للتضحيات التي بذلتها الحركة الشعبية السورية بأشكالها المختلفة في طورها الأول... ثانياً: إزالة التدخلات السلبية المختلفة التي قطعت وشوّهت تطور الحركة خلال السنوات الماضية، مع احتفاظ الحركة في ذاكرتها بالدروس الثمينة التي تعلّمتها، لتتابع الطريق من أعلى منصة معرفية وصلت إليها. وبكلمة، فإنّ التنفيذ الكامل للقرار 2254 سيكون شارة البداية لانطلاقة جديدة أقوى وأكثر انتظاماً لحركة شعبية تحث الخطا نحو بناء سورية جديدة، قوية وعادلة، وتليق بتضحيات وتاريخ أبنائها، ويليقون بها!». (افتتاحية قاسيون 1032: الحركة الشعبية و2254، 22 آب 2021).

«سورية ليست استثناءً أيضاً بما يخص الحركة الشعبية وصعودها، مع خصوصية أنها في سورية كامنةٌ، تراقب وتتحضر للظرف المناسب للعودة بزخمٍ أعلى وبتنظيم أعلى. وعودتها هذه هي ضرورة لا مفر منها، وستكون هي ذاتها إحدى أدوات الدفع باتجاه إنهاء الأزمة عبر القرار 2254، وستكون هي ذاتها المسؤولة عن تنفيذه للوصول بالبلاد نحو التغيير الجذري الشامل، وفي الوقت نفسه فإنّ تنفيذ القرار سيكون رافعةً لها، تفتح أمامها آفاقاً أوسع لتنظّم نفسها وصولاً إلى تحقيق مهامها». (افتتاحية قاسيون 1094: الحركة الشعبية تَصعد و«النخب» تَنحطّ!، 30 تشرين الأول 2022).

معلومات إضافية

العدد رقم:
1134
آخر تعديل على السبت, 06 كانون2/يناير 2024 13:36