الافتتاحية: احتمال ثورة مضادة.. تحت سقف الحوار!!

إن أفضل الطرق لتوقع وفهم السيناريوهات القادمة هو أن نضع أنفسنا مكان العدو وأن ننظر بعين مصالحه.
لقد أصبح من الواضح، بعد البيان الرئاسي لمجلس الأمن، أن احتمال التدخل العسكري المباشر في سورية بات من الماضي، ولأن أمريكا وحلفاءها أقدر من بعض «معارضتنا» على الخروج من الأوهام سريعاً وعلى إعادة ترتيب الخطط، فإنه من الواضح أيضاً أن أمريكا، وفي ظل الأزمة الرأسمالية المستمرة والمتعاظمة، بدأت بتنفيذ الخطة (ب)..

الحل.. «أمريكياً»

إن السيطرة على منابع النفط والغاز في منطقة قوس التوتر ستشكل مخرجاً معقولاً بالنسبة لأمريكا يؤجل بحث وضع دولارها المتضخم عقداً أو يزيد، وينبغي الوصول إلى ذلك بالتعامل مع كل بلد من بلدان قوس التوتر وفقاً لخصوصيته، بما في ذلك التحضير حالياً لثورة ملونة في روسيا..
وبما أن تعرقل إمكانية التدخل العسكري المباشر في كل من سورية وإيران، ترافق مع استمرار ضغط عامل الزمن الذي كلما تقدم تقدمت الأزمة الرأسمالية أشواطاً وزادت تكاليف الخروج منها، فإن أمريكا مضطرة اليوم إلى تركيز ثقلها تجاه «الجائزة الكبرى».. روسيا (40% من الثروات الباطنية في العالم).. مع إبقاء حالة التوتر واللاحسم في كل من سورية وإيران إلى حين تشكل ميزان قوى جديد يسمح بإنهاء الوضع، ولأن الأزمة عميقة وشاملة يجب الاستفادة من ميزان القوى الحالي ومن الحوار القادم في سورية لإنجاز ما لم ينجز بالطرق الأخرى.. ومن البدهي أن أمريكا لم تمرر الحوار دون خطة واضحة لتحقيق مصالحها عبره..
 
سورية.. وتوزيع الثروة

ينطلق السيناريو الأمريكي البديل من كون الفاسدين الكبار داخل النظام السوري يتفقون مع مجلس اسطنبول على لبرلة الاقتصاد السوري، أي أنهم متفقون على توزيع محدد للثروة هو القائم حالياً: (75% لأصحاب الأرباح، 25% لأصحاب الأجور). سنأخذ هذه الحقيقة ونضيف إليها أن النظام السياسي يعني أول ما يعني نمط توزيع الثروة. هنا يصبح من الواضح أن من مصلحة الطرفين المتشددين - بعد أن فقد كلاهما الأمل في هزيمة الآخر- إبقاء النظام مع إعادة التحاصص على الأرباح، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه بوجود حركة شعبية تتقدم يوماً بعد آخر ليس بوصفها مظاهرات وفقط، وإنما بوصفها العلمي كنشاط سياسي متصاعد للجماهير، تتقدم وتكسر الحلقة الأولى (موال- معارض) وتمّحي الغشاوة عن عينيها شيئاً فشيئاً لترى أمامها عدواً واحداً يتوضح أكثر فأكثر، عدواً برؤوس عدة: (فاسدين كبار داخل النظام، فاسدين داخل المعارضة على شكل مجلس اسطنبول، معارضة «لا+نعم = لعم» للتدخل الخارجي، تكفيريين ومتطرفين داخل المجتمع).
ينبغي لتحييد الحركة الشعبية إضافةً إلى محاولات قمعها وتسليحها - المحاولات التي لم تنفع في إجهاضها- ينبغي إيهامها بالتغيير، وإلا فإنها ستواصل صعودها حتى تطرد الجهتين المتطرفتين من ساحة الوطن وتعيد توزيع الثروة جذرياً، ولن تكتفي بذلك وإنما ستعزز الوحدة الوطنية وتتجذر في الموقف الممانع وتطوره نحو المقاوم، الأمر الذي يتناقض كلياً مع مشروع أمريكا التفتيتي في المنطقة ويتناقض مع مصلحة فاسدي الطرفين.
 
الخطة ب..

ما الذي يمنع أن يتحالف الفاسدون الكبار داخل النظام مع المعارضة غير الوطنية تحت سقف الحوار، ويذهبان معاً إلى قلب الطاولة وإحداث ثورة مضادة من فوق، يبعدون فيها «ديمقراطياً» القيادة السياسية العليا الحالية فقط ويقدمون للناس إيهاماً بحدوث تغيير ديمقراطي يجهض مشروع سورية جديدة؟؟
ولنأخذ بعض المؤشرات على هذا السيناريو نضيفها للتحليل السابق..
عدد كبير من شخوص المعارضة غير الوطنية كانت جزءاً من النظام الحالي.
أخطاء النظام في التعامل مع الحركة الشعبية، وخاصة الأخطاء المكررة، لا تعود جميعها إلى قصور في ذهنيته، ولكن جزءاً منها - والوطنيون داخل النظام يعرفون ذلك تماماً - هو أخطاء مقصودة ومتعمدة.
الاستمرار في النهج الليبرالي اقتصادياً، النهج الذي انتقل بعض عرابيه اليوم إلى موقع المعارضة.
استمرار التهريب بجميع أشكاله تحت نظر ودراية ورشوة عدد من المسؤولين..
ألغام الفساد الكبير التي كان انفجارها مؤجلاً تقترب ساعته. الفساد الكبير الذي طالما اعتبرناه ممرات لعبور العدو الخارجي. الفساد الكبير الذي ما يزال مصراً على إبقاء خطاب الإعلام الرسمي ساذجاً ومتخلفاً بتكراره لمقولة المؤامرة بشكلها السطحي كي يبقوا بعيدين، قدر الإمكان، عن الضوء. وكي لا تظهر المؤامرة الحقيقية بكل تفاصيلها لأنهم جزء لا يتجزأ منها.
الفساد الكبير الذي مانع سابقاً إلغاء المادة الثامنة من الدستور القديم، وزاود على وطنية السوريين، وأصر على استمرار الحل الأمني البحت.
الفساد الكبير الذي ما يزال مستمراً بامتصاص تعب السوريين ودمائهم وأحلامهم.
لذا ينبغي على الشرفاء داخل النظام والمعارضة والمجتمع توحيد قواهم لاجتثاث الفاسدين الكبار.. ولرفض أي حوار يشارك فيه مجلس اسطنبول، لأنه لن يكون في حينه حواراً وطنياً، وإنما تفاوضاً مع العدو على الوطن، ولأنه سيفسح المجال أكثر لتحالف فاسدي النظام مع فاسدي المعارضة ضد الشعب السوري.