«إسرائيل» تحاصر حوض الهلال الخصيب مصادر الطاقة: تلزيم الاستثمار لشركات أمريكية

«إسرائيل» تحاصر حوض الهلال الخصيب مصادر الطاقة: تلزيم الاستثمار لشركات أمريكية

في أواخر العام 2012، ستبدأ «إسرائيل» ضخّ الغاز من مكمن «تامار» البحري الذي أوكل استثماره لاتحاد شركاتٍ دولي تترأسه الشركة الأمريكية «نوبل إينرجي» التي ستحضِر في هذا الشهر منصّة تنقيبٍ ثانية (برايد نورث أمريكا) لتوسيع التنقيب في حوض الهلال الخصيب. في هذه المنطقة من شرقي المتوسّط، توجد وفق تقديرات وكالة «جيولوجيكال سورفي» الأمريكية الحكومية احتياطياتٌ للغاز تصل إلى 3500 مليار متر مكعب واحتياطيات للنفط تصل إلى 1.7 مليار برميل. يتمّ التحضير إذاً لأعمالٍ كبيرة: خلال عام، ارتفع مؤشر الطاقة في بورصة «تل أبيب» بنسبة 1700 بالمائة.

مانليو دينوتشي - ترجمة قاسيون

لكن هنالك مشكلة: إنّ ملكية احتياطيات الطاقة في حوض الهلال الخصيب لا تعود لـ«إسرائيل» إلاّ جزئياً. يوجد مكمنا تامار وليفياثان للغاز على بعد نحو 100 كيلومتر من الشاطئ، خارج المياه «الإقليمية الإسرائيلية» التي تمتدّ إلى مسافة 22 كيلومتر من الشاطئ. لكن وفق اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالحقوق البحرية، تستطيع «إسرائيل» استثمار احتياطيات الغاز والنفط البحرية في منطقةٍ تصل حتّى 370 كيلومتر من الشاطئ. والأمر مماثلٌ بالنسبة إلى البلدان المشاطئة. إذاً، تعيين المناطق الخاصّة بكلٍّ من تلك البلدان أمرٌ حاسم.

وفق شركة «بتروليوم جيو سرفيسز» النرويجية، توجد في المياه اللبنانية مكامن غازٍ ونفطٍ كبيرة. في هذا الصدد، طلب وزير الخارجية علي الشامي في الرابع من كانون الثاني من الأمين العام للأمم المتحدة منع استثمار «إسرائيل» لتلك المكامن. ولم يتأخّر الردّ. ففي اليوم التالي، رفض مارتن نيسيرسكي، الناطق باسم الأمم المتحدة، الطلبَ معلناً أنّ الأمم المتحدة غير مهيّأة للتدخّل في النزاع. وأتى ردٌ مماثلٌ من اليونيفيل (قوّات الأمم المتحدة في لبنان)، إذ أعلن الناطق الرسمي أندريا تيننتي لصحيفة «ديلي ستار» اللبنانية (بتاريخ 6 كانون الثاني) أنّه «لم يتمّ يوماً رسم حدودٍ بحرية» وأنّ «الحكومة اللبنانية لم تعترف بخطّ الطوّافات المرسوم في منطقة الناقورة الذي أقامته «إسرائيل» من جانبٍ واحد. ثمّ أعلن المنسق الخاص بلبنان مايكل ويليامز بدبلوماسيةٍ بأنّه «ربّما يكون هنالك دورٌ للأمم المتحدة، لكن علينا مناقشة ذلك مع رجال القانون في نيويورك» (ديلي ستار، 11 كانون الثاني).

في الحقيقة إذاً، تطلق الأمم المتحدة يد «إسرائيل» التي حذّرت حكومتها من أنّها لن تتردّد في استخدام القوّة لحماية المكامن «الخاصّة بها». وبما أنّ البرلمان اللبناني أقرّ قانوناً لاستثمار احتياطيات الطاقة في البحار وسيقدّم أولى الامتيازات في مطلع العام 2012، فسيبدأ نزاعٌ ربّما يؤدّي بسهولةٍ إلى حربٍ إسرائيليةٍ جديدة على لبنان.

ما الذي تنوي فعله إيطاليا التي تلعب دوراً أساسياً في اليونيفيل من وجهة نظرٍ بحريةٍ أيضاً؟ هل ستنتظر أن تقصف البوارج الإسرائيلية الشواطئ اللبنانية مثلما فعلت في العام 2006 للاستيلاء على الاحتياطيات البحرية الخاصة بلبنان؟

أمّا الفلسطينيون، فاستثمار احتياطيات أراضيهم من الطاقة أكثر صعوبةً. وفق الخريطة التي رسمتها شركة جيولوجيكال سورفاي الأمريكية، يوجد أكبر جزءٍ من مكامن الغاز في مياه الشواطئ وفي قطاع غزّة. وقد أوكلت السلطة الفلسطينية استثمارها بصورةٍ رئيسيةٍ لشركة بريتيش غاز التي حفرت بئرين هما غزّة مارين 1 وغزّة مارين 2، غير أنّهما لم يدخلا قيد العمل أبداً.

لقد رفضت الحكومة الإسرائيلية بدايةً جميع الاقتراحات التي قدّمتها السلطة الفلسطينية وشركة «بريتيش غاز» لتصدير الغاز إلى «إسرائيل» ومصر. ثمّ شرعت في مفاوضاتٍ مباشرةٍ مع الشركة البريطانية التي تمتلك معظم حقوق الاستثمار للتوصل إلى اتفاقٍ يستبعد الفلسطينيين. وليس مصادفةً إذا بدأ التفاوض في حزيران 2008، الشهر نفسه الذي بدأ فيه (وفق ما تقرّه حتّى المصادر العسكرية الإسرائيلية) التحضير لعملية «الرصاص المصبوب» التي شنّت على قطاع غزّة في كانون الأول 2008 (انظر مقال ميشيل شوسودوفسكي: «الحرب والغاز الطبيعي: الغزو الإسرائيلي ومكامن غزّة في البحر»، موقع أبحاث العولمة، 12 كانون الثاني 2009). في واقع الحال، أدّى الحصار الذي تلى ذلك، بما في ذلك الحصار البحري، إلى الاستيلاء على حقّ الفلسطينيين في استثمار احتياطياتهم من الطاقة، وهي احتياطياتٌ تريد «إسرائيل» الاستيلاء عليها بطريقةٍ ما.

تنصّ الخطّة على ربط آبار غزّة الفلسطينية بميناء عسقلان الإسرائيلي عبر أنبوب غاز بحري، وإلى هناك سيصل الغاز بدءاً من العام 2012 من مكمن تامار. على بعد عشرة كيلومترات جنوباً، هنالك غزّة حيث تمرّر «السلطات الإسرائيلية» المحروقات بالقطّارة لاستخدامها في مركز توليد الطاقة الكهربائية، ما يؤدّي إلى انقطاعاتٍ دائمة في الكهرباء ويحرم المستشفيات ومحطات تنقية المياه من الطاقة ويزيد عدد ضحايا الحصار.