الاتحاد الأمريكي.. إلى أين؟
علي اسماعيل مرهج علي اسماعيل مرهج

الاتحاد الأمريكي.. إلى أين؟

أصبح الحديث عن احتمال انهيار وتفكك الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة شائعاً جداً في مختلف الأوساط التي تعنى بالشأن الدولي، فبعد الضياع الأمريكي في العراق وأفغانستان، والأزمة المالية- أمريكية الولادة، عالمية التأثير- وتعاقب إدارتين مختلفتين، إدارة بوش الجمهورية، وإدارة أوباما الديمقراطية، بدأت الأزمات الداخلية الأمريكية تأخذ منحى تصاعدياً دراماتيكياً. وتتسم المرحلة منذ وصول أوباما إلى سدة الرئاسة بمحاولة إصلاح الواقع الأمريكي على الصعيدين الداخلي والخارجي، إلا أن الأيام كشفت أن سياسة أوباما الديمقراطي المختلفة في الأسلوب عن سلفه تودي إلى تفتيت الاتحاد أكثر فأكثر.

فبالرغم من أن أوباما استطاع انجاز ما لم يحلم به أسلافه من الليبراليين مثل جونسون وكلينتون، وهو قانون الضمان الصحي الوطني أو ما يسمى (أوباما كير)، وبالرغم من دعم شرائح مهمة في الداخل الأمريكي لهذا القانون، إلا إنه ومن زاوية أخرى عمق الخلاف في الداخل الأمريكي لأن هذا المشروع اعتبر من شرائح أخرى من المجتمع الأمريكي (المحافظون) خرقاً للتعاقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين، وقد عبر أحد الكتاب الأمريكيين (جيفري كوهنير) عن هذا الرأي بصراحة عندما قال إن ما وصفها بثورة أوباما «من شأنها تفتيت وحدة البلاد»، وأضاف «لم تعد أمريكا أمة واحدة ولا شعباً واحداً، بل هناك أمريكيتان، واحدة محافظة وأخرى ليبرالية، كما لم يعد الأمريكيون يحسنون معايشة الاختلاف بالرأي، وبدلاً من ذلك أصبحوا يحتقرون بعضهم ويزدرون بعضهم».

ويتضح المشهد بأن الخلافات الأمريكية– الأمريكية لم تعد خلافاً على برامج سياسية، بل تعدت ذلك إلى المنظومة الأمريكية بالكامل، من السياسات الخارجية والاقتصادية، إلى الأخلاق والثقافة والتاريخ. وبعد تعاقب إدارتين من الجمهوريين والديمقراطيين، أصبح واضحاً أن النظام الرأسمالي الأمريكي وصل إلى مرحلة استنفاد الحلول لمشاكله الذاتية وأصبح في طور الانهيار وعدم القدرة على الاستمرار بالرغم من محاولات الإصلاح التي أطلق عليها البعض تسمية (اشتراكية)، إلا أنها بذاتها أثبتت أن الخلل في المنظومة الرأسمالية نفسها، وأن آليات التدمير الذاتي لهذه المنظومة أصبحت خارج إمكانية السيطرة عليها.

أما السياسة الخارجية الأمريكية فأصبحت أيضاً عاملاً من عوامل زيادة الانقسام في الداخل الأمريكي، وقد ظهر هذا الانقسام واضحاً في الموقف من الحرب على العراق ومن تعاطي أمريكا مع مجمل القضايا الدولية، فبالرغم من محاولة إدارة أوباما إعطاء سمة مختلفة لآليات عمل السياسة الخارجية الأمريكية، بتبني خطاب (منفتح) والتركيز على قضية التنمية، لتعميم فكرة الديمقراطية الأمريكية، إلا أن أجندة أوباما بنتائجها لا تختلف كثيراً عن أجندة بوش، ويظهر التخبط الأمريكي في التعاطي مع الملفات الدولية في عدة مناسبات، وفي العديد من المناطق في العالم، كإشكالية علاقتها ودعمها لحكام مستبدين في الوقت نفسه الذي تحمل فيه راية التبشير الديمقراطي في العالم، والفشل في محاولة تشكيل لوبي أمريكي في دول تزداد فيها حدة العداء لأمريكا يومياً، بالإضافة لإمساكها بقنابل موقوتة شديدة الانفجار كباكستان ولبنان، ترتفع مع انفجارها نسب خسارة المشروع الأمريكي أمام نسب انتصاره، وتفتح الباب لقوى معادية للمشروع الأمريكي للانتقال من مربع الممانعة للمشروع، إلى مربع المبادرة في مواجهته.

إن السؤال عن مصير الاتحاد الأمريكي يفتح الباب أمام أسئلة عديدة، وتحديداً عن البدلاء على الساحة الدولية، البديل عن المنظومة الرأسمالية التي حكمت العالم بقوانينها منذ تراجع التجربة الاشتراكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والبديل عن الولايات المتحدة الأمريكية كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية في العالم، متحكمة بمفاصل القرار الدولي في ظل غياب المنافس الحقيقي، والمقصود بالحقيقي المنافس الذي يحمل مشروع مختلف عن رأسمالية أمريكا والغرب.