تحرير أسعار الكهرباء وتقويض الصناعة!

تحرير أسعار الكهرباء وتقويض الصناعة!

الطاقة الكهربائية أساس العملية الإنتاجية وعصبها، سواء تم استجرارها عبر الشبكة الرسمية، أو من خلال مولدات تعمل بالمشتقات النفطية، وأي زيادة على أسعار حوامل الطاقة هنا أو هناك، ستؤثر على العملية الإنتاجية عموماً.

ومع استمرار الحكومة بتنفيذ سيناريوهات تخفيض الإنفاق والدعم وتحرير الأسعار لا شك سنصل إلى نتيجة كارثية من شأنها أن تؤدي إلى توقف أغلب المعامل، إن لم يكن كلها، أي إن القطاع الصناعي، بشقيه العام والخاص، سيكون على مشارف كارثة حقيقة وليدة السياسات الرسمية!
فهل الحكومة داعمة للصناعة أم مقوّضة لها؟!

اللا مبالاة الواضحة بالتعاطي مع الكارثة!

المشكلة ليست وليدة اللحظة، بل هي قديمة ومتراكبة منذ عقود، وتتفاقم مع كل زيادة سعرية على حوامل الطاقة الكهربائية.
وقد بدأت العاصفة الأخيرة مع قرار وزارة الكهرباء رفع أسعار شرائح الاستهلاك الصناعي من الطاقة الكهربائية إلى ما يعادل 1900 ليرة للكيلو واط الساعي، وذلك مع بداية العام الحالي!
ورغم آراء الخبراء حول مخاطر هذا القرار، الذي لمسنا نتائجه كمواطنين على مستوى ارتفاعات الأسعار، إلا أن الموضوع بالنسبة للصناعيين كان أشد وطأة وأكثر قسوة، ومما زاد الطين بلة بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء، كان قرار زيادة سعر الفيول إلى ما يقارب 400 ألف ليرة لكل طن!
أثارت هذه القرارات استياء الصناعيين لما لها من تداعيات سلبية على ما تبقى من صناعات وطنية، فأعادوا قرع نواقيس الخطر عبر جميع الوسائل المتاحة والممكنة، من خلال البوابات الرسمية ومن خلال المنابر الإعلامية، وحتى عبر الصفحات الشخصية لبعضهم!
فقد تحدث خازن غرفة صناعة حلب مجد ششمان عبر إذاعة المدينة إف إم بتاريخ 18/3/2024 مطولاً حول تسعيرة الكهرباء التي ارتفعت إلى ما يقارب 100%، وعن أصداء هذا القرار على الصناعيين الذين باتوا غير قادرين على الإنتاج وأصبحوا خارج المنافسة والتصدير، خاصةً الصناعات النسيجية. وبأن فواتير الكهرباء لبعض المعامل وصلت إلى ملياري ليرة شهرياً، ما يعني تضاعف تسعيرة الفواتير حوالي 50 مرة عمّا كانت عليه قبل عامين، وختم حديثه بالإشارة إلى عدم ورود أي رد أو تجاوب من الجهات المعنية، التي تعاملت مع الموضوع بلا مبالاة فجة!
كذلك تحدث نائب رئيس غرفة صناعة حلب عبد اللطيف حميدة عبر موقع «أثر برس» بتاريخ 2/4/2024 قائلاً معاملنا اليوم تعمل في ظروف صعبة وغير صحية، وقد خرجت من المنافسة مع مثيلاتها في الدول المجاورة، ولم تعد قادرة على التصدير بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل كبير جداً، ونطالب، كقطاع صناعي خاص وطني، أن يبادر الفريق الحكومي وصناع القرار إلى مراجعة فورية لأسعار الطاقة الكهربائية، وتخفيضها بشكل مناسب وعادل يحقق المصلحة الوطنية ويسهم في تمكين المعامل من العمل والإنتاج والتصدير، قبل حدوث ما لا تحمد عقباه!
فعلى مدى ثلاثة أشهر منذ مطلع العام استمات القطاع الصناعي بمناشدة المعنين، وبالتأكيد على أن ما يجري يُنذر بنتائج كارثية على الصناعة الوطنية، ومن شأنه أن يؤدّي إلى توقف منشآت كثيرة عن العمل والإنتاج، مطالبين الحكومةَ بإعادة دراسة أسعار الطاقة الكهربائية وتخفيضها بصورة فورية وعاجلة لدعم العملية الإنتاجية والتصديرية. لكن الحكومة كانت صمّاء عن كل تلك الأصوات، وعمياء عن كل التداعيات والنتائج الكارثية!

تكريس الكارثة!

أصدرت وزارة الكهرباء بتاريخ 3/4/2024 توضيحاً بخصوص التعرفة للمشتركين الصناعيين، جاء فيه: تقوم وزارة الكهرباء بتأمين التغذية الكهربائية للمدن والمناطق الصناعية عبر اشتراكين، أحدهما معفى من التقنين كاملاً على مدار الساعة بسعر 1900 ل.س للكيلو واط الساعيّ والآخر غير معفى من التقنين بسعر يتراوح من 800 إلى 900 ل.س للكيلو واط الساعيّ على حسب مستويات التوتر الكهربائي. وأكدت الوزارة أن هذا الإجراء تم اتخاذه لضمان استمرارية إنتاج الكهرباء وتأمين التغذية الكهربائية للمشتركين كافة، مع التأكيد على استمرارية تقديم كل الدعم لكافة القطاعات الإنتاجية والخدمية والحيوية.
يضاف إلى التوضيح أعلاه ما نقل عن وزير الكهرباء قوله إن تكلفة إنتاج الكيلو واط الساعيّ هي 2200 ل.س وتباع للإخوة الصناعيين المشتركين على الخطوط المعفية من التقنين بسعر 1900 ل.س. وبأن الوزارة أعلمت الصناعيين منذ سنتين توجهها نحو تحرير أسعار الكهرباء للخطوط المعفاة من التقنين، لأنها لم تعد تستطيع تحمّل التكاليف الكبيرة، وعلى كل صناعي أن يؤمّن جزءاً من احتياجاته عبر الطاقات المتجددة.
التوضيح والتصريح أعلاه بمثابة موافقة رسمية على التدهور الحاصل في قطاع الإنتاج، دون أي أسف لما يحصل!
فالحكومة يبدو أنها قد حسمت أمرها بما يخص تحرير أسعار الطاقة الكهربائية، ضاربة مطالب الصناعيين وتحذيراتهم وبالاقتصاد الوطني وبالواقع المعيشي للمواطن المفقر بعرض الحائط!
فهل رفع أسعار الطاقة الكهربائية على القطاع الصناعي سيحقق هدف استمرارية إنتاج الكهرباء؟
وهل هذا يعتبر دعماً للصناعة والإنتاج، أم خلقاً للمزيد من الصعوبات والأزمات أمام هذا القطاع الهام؟
وهل هدف زيادة إيرادات وزارة الكهرباء أهمّ من هدف استمرار العملية الإنتاجية والإنتاج، المنعش الوحيد للاقتصاد السوري المتهالك؟
أم إن إضعاف هذا القطاع وتقويضه هو الهدف المضمر دون إعلان صريح؟

وأد ما تبقى من صناعات محلية لصالح مَن؟!

بات واضحاً أن رفع أسعار الطاقة الكهربائية ما هو إلا استكمال لمسيرة تحرير أسعارها، وصولاً إلى إنهاء الدعم عنها كلياً، بتصريح واضح ودون لبس على لسان وزير الكهرباء، مع غض النظر عن تداعيات ذلك السلبية على الإنتاج والاستهلاك والاقتصاد الوطني عموماً!
أما الأكثر شذوذاً فهو أن أسعار الطاقة الكهربائية المعتمدة رسمياً تجاوزت حدود مفهوم تحرير الأسعار، فهي أعلى من معدلات أسعارها على المستوى العالمي والإقليمي، وهو ما تمت الإشارة إليه أكثر من مرة من قبل الصناعيين، بما في ذلك بموجب كتب مسطّرة وموجهة إلى وزارة الكهرباء والحكومة!
فمن المؤكد والمعروف أن زيادة أسعار الطاقة الكهربائية، وفقاً للسيناريو المتبع، لن تتوقف آثاره السلبية على القطاع الصناعي والإنتاجي فقط، بل ستنعكس على المواطن بشكل مباشر على مستوى أسعار السلع والخدمات في الأسواق، أي مزيد من تراجع معدلات الاستهلاك، وكذلك فإن زيادة تكاليف الإنتاج تقلص إمكانية المنافسة في أسواق التصدير وصولاً إلى خسارتها، ولتصبح الخسارة مركبة على المنتج والمستهلك والخزينة والاقتصاد الوطني، لتتفاقم وصولاً إلى وقف الإنتاج وخروج منشآته عن العمل تباعاً!
أما عن المستفيد من إضعاف وتقويض الإنتاج وصولاً إلى وأده فهي شريحة كبار حيتان الاستيراد والفاسدين، الذين يسعون إلى استكمال سيطرتهم على سوق السلع والبضائع وتحكمهم به، مستقوين طبعاً بالسياسات الرسمية المتبعة الحامية والداعمة لمصالحهم على طول الخط، ولو كان ذلك على حساب مصلحة العباد والبلاد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1169
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 12:44