عطلة طويلة للدولة وتبرير لغيابها ولابتلاع المزيد من مهامها!

عطلة طويلة للدولة وتبرير لغيابها ولابتلاع المزيد من مهامها!

أعلنت الحكومة عطلة عيد الفطر لمدة أسبوع كامل، في ظاهرة أصبحت تتكرر في السنوات الأخيرة في مناسبات متعددة!

فعطلة اليوم تصبح يومين، وثلاثة الأيام تصبح أسبوعاً كاملاً متواصلاً، بكرم حكومي مستغرب وغير معهود بالمقارنة مع ما تبتدعه من ضغوطات يومية على عموم المواطنين!
وتتذرع الحكومة أحياناً بأن الهدف هو خفض الاستهلاك من الوقود والكهرباء خلال أيام العطلة التي تقررها، وكأنما مؤسسات الدولة هي مصانع عملاقة، أو شركات بتقنية عالية تعتمد على الكهرباء والمولدات وشبكات الاتصالات، بل وكأن تحقيق بعض الوفر في النفقات، مهما كانت قيمته، أهم من دور الدولة في حياة العباد والبلاد!
فما هو تأثير غياب الدولة على المواطنين بهذا الشكل، ولماذا الإصرار عليه وتكريسه؟
تبدو العطلة لمدة 9 أيام متواصلة بمناسبة عيد الفطر شيئاً لطيفاً، خاصة بالنسبة للموظفين لتخفيف أعبائهم وتجديد طاقتهم والتحضير للعيد، إذا كان هنالك تحضيرات أصلاً في ظل تكريس غلاء الأسعار والتردي المعيشي!
أما بالنسبة لبقية المواطنين، فعدا أزمة المواصلات والازدحام التي تخف وطأتها خلال عطلة المؤسسات الحكومية بشكل نسبي، فلن يشعروا بأي تغيير يذكر، فالحكومة انسحبت تباعاً خلال العقود والسنين الماضية من أغلب الأدوار والمهام المناطة بالدولة، والتي من المفترض أنها بعهدتها ومسؤوليتها وبمتابعتها!
فالحكومة مثلاً باتت غير معنية، عن سابق إصرار وترصد، بتنظيم السوق أو ضبط الأسعار فيه، إلا في حال رغبة الجهات التموينية بنشر بعض الصور على صفحتها في «فيس بوك» لتبين أنها ما زالت تمارس دورها الشكلي، والجهات الحكومية التي تسمى «ذراعاً إيجابياً» للدولة في السوق لمصلحة المستهلكين فقدت مهامها الفعلية، وأصبحت سلعها متحكماً بها من قبل الموردين من القطاع الخاص، منتجين أو مستوردين، نوعاً وكماً وسعراً ومواصفة!
وكذلك انسحبت أيضاً من أي دور على مستوى دعم الصناعة أو الزراعة، حتى بالنسبة للجهات العامة المنتجة، أو تصدير المنتجات السورية أو استيراد الحاجات الضرورية، حيث تخلت طوعاً عن هذه الأدوار للبعض المحظي من كبار التجار وذوي النفوذ، لكي يبيعوا ويشتروا وتنمو ثرواتهم على مر الأيام والسنين، وعلى حساب الاقتصاد الوطني والمواطنين، والذريعة المستجدة لذلك كانت وما زالت العقوبات والحصار!
ولم تعد الدولة من خلال السياسات الحكومية المتبعة تلعب دورها المفترض على مستوى الرعاية الاجتماعية، ولن نشرح كثيراً في مفهوم الرعاية الاجتماعية، إذ باتت العبارة بحد ذاتها مبهمة في أذهان المجتمع السوري، خاصة وأن الحكومات المتعاقبة تسابقت خلال العقود الماضية في تقليص أي شكل من أشكال الدعم الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، وصولاً إلى المسارعة في إنهائه على أيدي الحكومة الحالية، دون أي سبب واضح سوى تخفيض حصة الإنفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعية، وزيادة حصة الفساد والنهب بالمقابل!
بل وحتى على مستوى مهام الأمن العام، الذي يعتبر دوراً أساسياً من أدوار الدولة، وعلى الرغم من أنه لا يزال في يد المؤسسات المعنية به، إلا أن جزءاً من مهام الدولة على مستوى بعض مهام الحراسة لبعض المنشآت الخاصة تم تسليمها لبعض الشركات الأمنية الخاصة مع قوننة ذلك، ولا ندري ما تضمر الأيام على هذا المستوى الخطِر بتداعياته على المستوى الوطني العام، في حال استمرار التخلي عن أدوار إضافية للدولة بهذا الشأن!
أضف إلى ذلك التراجع الكبير في كفاءة عمل المؤسسات والجهات الحكومية، وعلى العموم فإن واقع الخدمات العامة التي تمس حياة المواطنين اليومية أصبحت في أسوأ أحوالها سلفاً، سواء كان العاملون في الجهات المسؤولة عنها على رأس عملهم أو غائبين عنه، وكذلك فإن أية معاملة رسمية ستحتاج لإنجازها أسابيع وربما أشهر، فما الفرق إذا ازدادت المدة أسبوعاً إضافياً، وحتى وإن أنجزت جزءاً من معاملتك سريعاً فستحتاج إلى استكمالها بورقة أخرى، ولن تنتهي السلسلة، إلا بحال دفعت «المعلوم» الذي يتجاوز الصعاب والأوراق الإضافية، بما في ذلك العطلة الرسمية، مهما طالت أيامها!
وفي ظل هذا التراجع الكبير لدور الدولة والمؤسسات الرسمية والحكومية من حياة المواطنين، والانسحاب المتتالي من الأدوار التي كانت تلعبها وتقوم بها الدولة، بشكل مبرمج ومقصود، فمن الطبيعي ألّا يشعر المواطن بأية مشكلة في التعطيل الحكومي لأسبوع أو عشرة أيام أو حتى شهر، فلا فرق!
الأكثر من ذلك هو ظهور بعض الطروحات المستجدة المدهشة مؤخراً، كأن يتم تخفض ساعات الدوام اليومي في الجهات الرسمية إلى 6 ساعات، أو أن يضاف يوم عطلة أسبوعية، لتصبح ثلاثة أيام أسبوعياً، بذريعة زيادة الكفاءة والإنتاجية!
وربما غالباً لن نشعر بالفرق أيضاً، فبدل أن يقول لك الموظف وأنت تتابع معاملتك الرسمية «رجاع بكرا»، سيقول «رجاع بعد بكرا»، ولن تشعر بأي فرق!
فمع أن الفرق شاسع في النتائج، بين تخفيض ساعات العمل اليومي، وزيادة يوم عطلة أسبوعية، إلا أن الحالتين تخدمان نفس التوجه الرسمي في تكريس الغياب المتعمد للدولة من أذهان الناس، مع تكريس ضعف كفاءة المؤسسات والجهات الحكومية وتراجعها، خطوة بخطوة بطريق المزيد من إضعاف وإفشال جهاز الدولة، وصولاً إلى المزيد من خصخصة ما يمكن خصخصته من مهام وأدوار، وبيع ما يمكن بيعه من أصول وممتلكات عامة!
فأيام العطلة الطويلة التي باتت تقررها الحكومة، وتكرسها بمناسبة بعد الأخرى، ليست لأنها تبحث عن راحة الموظفين الحكوميين من كل بد، أو لتوفير بعض النفقات، بل لغاية تبرير الغياب الرسمي للدولة من حياة المواطنين، وبأبشع الأشكال وأكثرها تشوهاً، سعياً إلى تقليص وإنهاء أدوارها ومهامها تباعاً، ليحل محلها من يسد الفراغ ويقوم بهذه المهام والأدوار عنها، شريحة كبار الناهبين والفاسدين والنافذين في البلاد، مع شرعنة وقوننة ذلك تحت عناوين وذرائع مختلفة، تبدأ من ذريعة قلة الإيرادات بالمقارنة مع ضخامة النفقات في الموازنات السنوية العامة، وتمر بالخصخصة المباشرة وغير المباشرة تحت عناوين تشجيع الاستثمار، ولا تنتهي بالتخلي عن الملكيات العامة تحت عناوين التشاركية وغيرها، وهو ما جرى ويجري حتى الآن، ومن ثم سعياً محموماً ومتسارعاً على ما يبدو نحو استكمال ابتلاع الدولة نفسها، وتجييرها بقضها وقضيضها لمصلحة هذه الشريحة، وعلى أنقاض ما تبقى منها!
فهل هي عطلة رسمية طويلة، أم تعطيل حكومي متعمد، أم مزيد من التقويض للدولة، بمهامها وواجباتها ومسؤولياتها تجاه البلاد والعباد؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1169
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 12:43