الشباب السوري بمواجهة جحيم السياسات!

الشباب السوري بمواجهة جحيم السياسات!

يتجه أغلب الشباب السوري- ومن عُمر مبكر- إلى العمل لتحصيل قوت يومهم، ولتغطية تكاليف دراستهم، وليساهموا مع ذويهم بجزء من تكاليف المعيشة المرتفعة، هذا بحال توفرت لهم فرص العمل!

وتشتد الحاجة للعمل كلما تقدم الشاب بالعمر، بسبب تزايد أعباء الحياة الضاغطة، وارتفاع تكاليفها وصعوبة تغطيتها، وليصبح هم الشاب في حياته وشغله الشاغل، هو إعالة نفسه وأسرته، في ظل غلاء الأسعار وتراجع الدخل، وعدم تناسب الأجور مع تكاليف ومتطلبات الحياة، مع العجز عن تحقيق هذه المعادلة المستحيلة!
فقد أصبح على الشباب إعالة أهلهم قبل أن يفكروا في تأسيس أسرهم الخاصة، مع صعوبة تحقيق هذا الحلم الذي أصبح مستحيلاً أيضاً!

فرص العمل المحدودة وإعالة المتقاعدين والمرضى!

غالبية الأسر المُفقرة فيها أب وأم متقاعدين، وأجورهم التقاعدية بالكاد تغطي تكاليف أدويتهم الشهرية، ليصبح على الشاب في هذه الأسر أن يتحمل مسؤولية تغطية كافة تكاليف متطلبات حياة الأسرة كاملة!
فيبحث هذا الشباب عن عمل إضافي، وليدخل في دوامة التنقل من عمل سيئ إلى عمل أسوأ بحثاً عن أجر أعلى أو ميزات أفضل!
فالشباب في الريف يضطرون إلى هجرته لسوء خدماته، وندرة فرص العمل فيه، فحتى العمل الزراعي أصبح غير مجدٍ، بل يكبد المزارعين الخسارات المتتالية، ليتكرس بالتالي فقدان الأمل في استمرار العيش فيه، لينعكس كل ذلك سلباً على الشباب خصوصاً، وكل أبناء الريف عموماً، وعلى الريف نفسه بإمكاناته المهدورة!
أما في المدينة، فيتزاحم الشباب فيها على فرص محدودة من الأعمال، والتي يغلب على معظمها الطبيعة الهامشية والاستغلالية، حيث يُقتل الإبداع وتغيب الكفاءة وتعدم الإمكانية!
فيعمل معظم الشباب في أعمال لا تتناسب مع تحصيلهم العلمي، ولا تتناسب كذلك مع إمكاناتهم ورغباتهم، وفي خلفية تفكيرهم دائماً، أن الأجر الذي سيحصلون عليه سيضيع بين الغذاء والدواء، وبدل إيجار المنزل فقط لا غير!
فلا أمل ولا طموح، مع جرعات متزايدة من الاستغلال، سواء في العمل نفسه أو في الأسواق!

العمل عن بعد لا يقل سوءاً!

وفي إطار السعي المحموم للشباب في البحث عن فرصة عمل، يتجه البعض منهم نحو العمل عن بعد «أونلاين»، كبوابات جديدة أصبحت متاحة لاختصاصات ومهارات محددة، وخاصة بحال كانت لمصلحة جبهات عمل خارجية، أملاً في أن يؤمن فرق الأجور بين العملات الأجنبية والليرة السورية بحبوحة مرتجاة، فبعض الدولارات المحصلة تصبح عشرات الآلاف من الليرات في ظل انهيار سعر الصرف بكل أسف!
وهنا يدخل الشباب السوري في دوامة أخرى، حيث تزداد المنافسة، وهذه المرة دولية، ويكون المعيار الأساسي الحاكم فيها الأجور الأخفض والعمل الأكثر، وليتجه الشاب السوري مرة أخرى للعمل وفق متطلبات هذه السوق المستجدة، لا وفق رغباته وطموحاته، ليقتل الطموح مجدداً، ولتصبح حياته سعياً وراء ساعات الكهرباء القليلة وشبكة الانترنت المتردية، ولتصبح شركات الاتصالات وشركات الحوالات والمقاهي شركاء في الأجور الزهيدة التي يحصل عليها هذا الشاب من عمله المضني، ناهيك عن احتمالات أن يقع فريسة لعمليات الاحتيال، والتي يذهب معها جهده أدراج الرياح ودون أجر، فلا رقيب ولا ضمان على العمل عن بعد غير الاتفاق النظري بين رب العمل والشاب الساعي وراء لقمة عيشه!

الهجرة وقوارب الموت!

أمام هذا الواقع القاتم، وانسداد أي افق أمام الشباب السوري، يجد البعض أن الحل هو الهروب الفردي نحو مجهول قد يكون أفضل ولو بقليل، فتكون الهجرة هي الحل!
وهنا يكون أمام الشباب خياران، إما أن يبيع كل ما لديه ولدى أسرته ويستدين ويسافر بطريقة شرعية، ولكن مكلفة نحو بلدان محددة ليحصل على فرص محددة أيضاً، أو أن يتجه نحو الهجرة غير الشرعية، فيسلم نفسه إلى المهربين أملاً في أن أمامه حياة أفضل سوف يعيشها، ولينصدم بالواقع، وأن أمامه جهداً مضنياً ليجد لقمة عيشه في الغربة أيضاً، في حال وصوله!
والطامة الكبرى، أن من يهاجر من الشباب هم غالباً من ذوي الكفاءات العالية، وذوي الاختصاص والمهارات، ممن لم يجدوا استثماراً لإمكاناتهم في بلدهم!

ماذا عن الأسرة والزواج؟

لم يعد أي شاب سوري، إلا المحظيون منهم، يفكر اليوم في بناء أسرة، فبالكاد يحصل الشاب على أجر يكفيه ليعيش وحده، أو مع والديه بأفضل الأحوال، وأمام الواقع المعيشي الضاغط لا يفكر الشاب في تحمل تكاليف أسرته الخاصة (زوجته وأولاده ومنزله الخاص) فهنا سوف تكون التكاليف مضاعفة والمسؤوليات مضاعفة.
أبعد من ذلك، أصبح الشباب السوري بعيدين عن تنمية مواهبهم، فلا وقت كافٍ بين العمل لساعات طويلة أو العمل بدوامين، ولا مال كافٍ لأية دورات تدريبية، أو استثمار في مشاريع خاصة، بل لا وقت لديهم للتخفيف من بعض الضغوطات، حتى بالمسامرة فيما بين الأصدقاء!

السياسات المتسببة بالجريمة!

لا يمكن وصف حال الشباب بما يعانون ويواجهون يومياً إلا على أنه جريمة بحقهم وبحق طموحهم ومستقبلهم!
فالواقع الاقتصادي المعيشي الضاغط يقف حائلاً أمام مستقبلهم، سواء على مستوى استكمال دراستهم، أو على مستوى فرص العمل المتاحة، أو على مستوى الأجور الهزيلة، أو على مستوى الحق الطبيعي المتمثل بالزواج والاستقرار، ليضاف إلى كل ذلك واقع سوء وتردي الخدمات التي تحيل حياة كل منهم إلى جحيم مُطبق، فلا كهرباء ولا ماء ولا مواصلات ولا طرقات ولا... وفوق هذا وذاك تفشي الظواهر والمظاهر الهدامة التي يتم العمل على تكريسها من المخدرات إلى الدعارة إلى السلب والنهب والبلطجة والتشبيح و.. وصولاً إلى سد كل أفق أمامهم!
وهؤلاء يدركون تماماً أن كلاً من العناوين الجحيمية أعلاه، هي نتيجة مباشرة للسياسات الرسمية المتبعة، وهناك مستفيدون كبار من خلفها، وبأن خلاصهم يبدأ بالخلاص من هذه السياسات جملة وتفصيلاً، بغض النظر عن طريقة تعبير كل منهم عن ذلك!
فيوماً بعد آخر تتضح خنادق التموضعات والاصطفافات للشباب المفقرين والمجني عليهم، بمواجهة السياسات المجرمة بحقوقهم، وبمواجهة الناهبين المستفيدين منها، والسالبين لكل إمكاناتهم بشكل مباشر وغير مباشر، بما في ذلك استهلاك أعمارهم والمغامرة بمستقبلهم!
فالتغيير الجذري والعميق والشامل لم يعد مطلباً سياسياً ملحاً لمصلحة البلاد والعباد فقط، بل أصبح ضرورة عاجلة لاستمرار الحياة نفسها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1137