مطبات: فساد الأغنية

مطبات: فساد الأغنية

لم تعد تطربني تلك الأغنية، ولم يعد اللحن منسجماً مع أذواق العموم، هي حكاية القرارات والقوانين التي تتكرر بآليات مختلفة، ومفردات مغايرة.. ولكنها لملحن واحد، وفرقة واحدة، وعازفين هواة.

ربما يقول البعض مستغرباً، ويسأل أنه ولو لمرة واحدة لم تخرج المعزوفة عن إيقاعها.. وبالتالي فاليوم تم الحجز على أموال الدكتور دريد درغام وبعض المقترضين من أجل مبلغ بسيط يتجاوز المليار ليرة سورية، وهذا الخروج الاستثنائي لا يطربني لأنني أرى أنه صار من واجب الفرقة الوحيدة أن تخرج من المسرح إذالم تعطني لحناً استثنائياً يومياً على الأقل لأنني أعيش كآبة فريدة.

أنا المواطن السوري الذي ألِفَ اللحن حتى القرف، وحفظ عن ظهر قلب حكايات الحكومة عن التطوير والإصلاح، وفتح الأبواب للإعلاميين دون مواربة على كل ما يمكن أن يُرى، ولا شيء تخفيه الحكومة عن الصحافة سوى ما يمكن أن يؤثر على الأوضاع الاقتصادية في هذا الظرف الخطير.. ولكن مَنْ ساهم في إيصالناإلى هذا الواقع الاقتصادي العسير.

الحكومة أيضاً تعيد الثقة إلى القطاع العام ليعمل على فعل ما يساعد في اكتفائنا الذاتي بعد سيل العقوبات التي تأتينا من كل حدب وصوب، وكذلك تسعى جاهدة للتقليل من آثارها علينا، ولذلك وصل سعر الشمعة إلى 15 ليرة سورية، وساعات التقنين إلى وجبتين صباحية ومسائية ولمدة ثلاث ساعات.

كذلك لا تجد الحكومة الوقت لتحمينا من جوقة الفساد التي أكلتنا في ساعات الرغد، وهاهي تمارس مضغنا في أوقاتنا الحرجة، وتقلّينا وتقرمشنا وتمزمزنا مع كأس نشوتها، وتغلو في قذفنا أرقاماً في طوابير لن تنتهي، وفي وضعنا على قائمة المشتهين لقوائم الطعام العادي فقد فقدنا طموحات لذاتنا في أن نصير من مرتاديالمطاعم والمشارب.

الآن وعلى أبواب مراكز توزيع الغاز تباع الأسطوانة بـ 1000 ليرة، وثمة من لديه من العلاقات ما يملأ في كل يوم سيارته من فوق رؤوس العباد في مركز (نهر عيشة) وهم يتفرجون، ويدعون الله أن يؤمنوا (جرتهم) هذا اليوم ولو في آخره.

ثمة من ينامون على البرد، وفي أحسن الأحوال يتدثرون بالأغطية منذ ساعات المساء لأنهم لم يتمكنوا من شراء المازوت، وفي أول الأسباب ضيق اليد، وفي ثانيها أن من غير المعقول أن لا يتمكن صاحب (كالون) من ملء 20 لتراً بعد أن ينتظر إفراغ صهريج المازوت لساعة ونصف، وخلال نصف ساعة يعلّق صاحبالمحطة خرطوم الخزان وبكلمة واحدة ينهي أحلام المواطن: انتهى. 

من ركبوا علينا في الرخاء يركبوننا اليوم في أزماتنا، ويعزفون لنا نشيد الاحتكار والفساد، وهنا يتبادر لي سؤال عن مقترضي التجاري الذين تم الحجز على أموالهم ضماناً للمليار ليرة ونيف، من هم هؤلاء، وما المشاريع الوهمية التي تم تمريرها من أجل ملايين الله وحده يعرف أين وكيف صُرفت، أو في أي بنك وضُعت،وأيضاً أليس هذا المصرف هو صاحب فكرة القرض العادل الذي لم يؤمن بعدله أحد، وتحسس المواطن أن وراءه فخاً لتدوير الأموال، ووضح أن فيه دوراً ملتبساً بين المصرف وتجار العقارات.

من أجل هذا أنا المواطن الذي يعيش في كآبة معيشية.. وأتمنى أن تتجدد الفرقة واللحن والعازفون الهواة، وأن يطربني أحد ما بلحن جديد فيه إعفاء فاسد، وسجن مفسد، وإلقاء الحجز والقبض على أموال من يركبون لقمتي.

أنا المواطن السوري الذي يئن تحت أوزان منتفخي مرحلة الانفتاح، ولا أومن الآن بأن القطاع العام الذي تم تحطيمه على أيدي فلاسفة وتجار السوق الاجتماعي المفتوح بقادر على إنقاذي.. أشتهي لحناً يومياً فقد فسدت الأغنية.