الثقافة العضوية.. واجتماع الشيوعيين
جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

الثقافة العضوية.. واجتماع الشيوعيين

هناك من يرى ويصر أن القوى العدمية هي وحدها الآن التي تمتلك «مثقفين عضويين» يرفعون لواءها وينطقون باسمها ويشيعون خطابها وإيديولوجيتها بدقة وتناغم، وهؤلاء تتغير وجوههم مع تغير الظرف والمهمة ومستوى (جهل) المتلقي، ولكن لا يتغير جوهر خطابهم وتأثيرهم، ويستطيعون سواء من خلالالمنابر الكلاسيكية التاريخية، أو المعاصرة المتطورة باطراد، أن يحدثوا التفافاً كبيراً حول المسلمات العتيقة لهذه القوى، ورؤاها المستجدة وبرامجها السياسية وغير السياسية.

 

أما البقية، قوىً وتياراتٍ وأحزاباً وإيديولوجيات وأنظمة حكم، فهم بغالبيتهم الساحقة، يصطرعون مع ذواتهم، وتتناقض جوانب برامجهم فيما بينها، ويظهر اللا انسجام في لغة ومواقف مثقفيهم النخبويين مع اختلاف الموضوع أو القضية التي ينظّرون حولها.. ومعظم الجمهور لم يسمع بأشهرهم ولا بأمهرهم ولابأكثرهم منبرية وتماسكاً في الخطاب، وغياب أحدهم يساوي حضوره لدى أكثر الناس اهتماماً ومتابعة للشؤون العامة.. هذا في أحسن الأحوال.. أما في أسوئها، فهذه القوى ومثقفوها المعزولون، يقبعون في حالة مزمنة من السبات أو الاحتضار، ولا تعوزهم إلا رصاصة الرحمة..

قد لا يكون أصحاب هذا الرأي محقين في ما يقولون، خصوصاً وأن رأيهم يضع مجموعة من القوى غير المتجانسة لا طبقياً  ولا إيديولوجياً ولا سياسياً في سلة واحدة، ولا يرى المتجدد في الحركة السياسية، لكن ما يلفت الانتباه جدياً في هذا الرأي هو الجانب المتعلق بالمثقف العضوي..

لكن قبل التعريج على هذه النقطة، من الضروري التنبيه إلى نظرة شائعة أخذت تسود في مجتمعنا في العقدين الأخيرين رغم أنها مترعة بالأخطاء، وهي حصر مفهوم المثقف بالعاملين في حقل الثقافة من فنون وآداب مختلفة، حتى لو كانوا مجرد موظفين أو نصف أميين أو خصوماً للقراءة أو متعلمين لم يقرؤواسوى كتبهم الدراسية، وحجب هذه الصفة عن معظم الناشطين السياسيين، خصوصاً أعضاء الأحزاب اليسارية.. وهذا من جهة، أحد مؤشرات الأزمة السياسية والفكرية التي راحت تتفاقم في هذه القوى وندرة المثقفين الحقيقيين فيها، ومن جهة أخرى دليل على انعزال بقايا مثقفيها عن الحراك الاجتماعي الثقافيوعدم مواكبتهم له، والتعامل معه على أنه أمر هامشي..

حسب المناضل والمفكر الثوري غرامشي، فإن الفارق بين المثقف التقليدي والمثقف العضوي أن الأول يعيش في برجه العاجي ويعتقد أنه أعلى من الناس، بينما يحمل الثاني هموم الفقراء والمحرومين والكادحين.. فأين ثقافتنا ومثقفونا وقوانا السياسية من ذلك؟؟

الحقيقة أن المثقفين السوريين بمعظمهم، يمكن تقسيمهم استناداً إلى تعريف غرامشي إلى ثلاث شرائح متداخلة ومتناقضة مع ذاتها:

الشريحة الأولى: تعرف الكثير فكرياً واجتماعياً وثقافياً، ولكنها لا تقوم بأي فعل إبداعي أو ميداني يتناسب مع هذه المعرفة بسبب غياب الإطار والمنهج والمشروع التحرري المتكامل، وغلبة اليأس.. بل وإن بعضهم رهن نفسه لخدمة العدو بأشكال مختلفة بعد أن سقط في فخ إغراءاته وتسهيلاته.. فبدأ بالتضليل!.

الشريحة الثانية: تلتزم في إطار، ولكنها تعاني من فجوات واسعة في الثقافة والوعي والحضور الاجتماعي بسبب شاقولية أو قصور معارفها وجمود الأطر التي تلتزم بها، وانشغالها بالتنظير على حساب ممارسة الدور العضوي تثقفاً ونضالاً.

الشريحة الثالثة، وهي الأوسع: تعرف القليل، وتحاول أن تظهر عكس ذلك، وتدّعي الالتزام وتفعل عكس ذلك، وتتعايش مع المجتمع لكنها لا تنتمي لهموم كادحيه.. وغالباً ما تسيطر على المنابر الثقافية والإعلامية لأنها الأنسب والأقرب إلى قلوب وبرامج الأنظمة الحاكمة والشرائح المتنفذة.

لكن كل هؤلاء «المثقفين»، اليساريين اسماً لا دوراً، وقبلهم مثقفو القوى العدمية، لا يمكن وصفهم بالعضويين، لأن أياً منه لا يمثل جوهراً مصالح الكادحين ولا همومهم أو تطلعاتهم «الدنيوية»، لكل الأسباب والمقدمات المنوه إليها أعلاه كمواصفات، وحسب رأيي، لن ينبثق المثقف العضوي إلا من رحم أطرالقوى الثورية المدركة تماماً لدورها الوظيفي بكل جوانبه.. وهذا يحتاج إلى عمل دؤوب وإرادة كبيرة وتثقف مستمر، وهذا برسم الاجتماع الوطني التاسع لوحدة الشيوعيين السوريين، لكي يؤسس لذلك، ويسير قدر ما تطلبه هذه المرحلة من خطوات «عضوية» باتجاه الناس..