تشايكوفسكي.. الدموع الراقصة

تشايكوفسكي.. الدموع الراقصة

«إن الاهتمام بموسيقاي سيثير الاهتمام بي شخصياً، وهي فكرة شديدة الوطأة، أعني فكرة أن القوم في يوم ما سيحاولون سبر العالم الخصوصي لأفكاري ومشاعري وكل شيء حرصت على إخفائه طوال حياتي لهي محزنة وغير سارة»
تشايكوفسكي

يعتبر تشايكوفسكي أحد أئمة التأليف الموسيقي في التاريخ, رغم ما يلقاه في العالم المعاصر من نقد, على أنه تشاؤمي, ومريض يدعو إلى الكآبة، إلا أن موسيقاه قد رسمت ملامح التراث الإنساني السمعي في تعابيرها القوية الأخاذة وتشكيلاتها الانفعالية، فيضع المستمع في قبضته ويعتصره في ذروة الانفعال, ثم يتركه منهكاً, مسترخي الأعصاب, ومتفلسفاً في الحياة , خاصة فيما يتعلق بالموت والعدم، ولهذا كان أحد الرموز الإنسانية التي تفتخر بها روسيا موطنه وبيته الأول، وها هي تحتفل في هذه الأيام بالذكرى الـ120 لوفاته.
ولد بيوتر تشايكوفسكي في عام1840. عزف البيانو لثلاث سنوات، وتولاه الموسيقي الكبير «فيليبوف» ووجد فيه تلميذاً جدياً ولكنه غير معجزة، التحق بمدرسة القانون، وتخرج منها ويعمل كاتباً من الدرجة الأولى بوزارة العدل.
كانت الموسيقا هي أقرب الأشياء إليه، ولكنه لم يكن حتى هذه المرحلة من حياته قد حقق شيئاً في مجالها إلى أن بلغ العشرين فبدأ يرتجل ألحاناً جميلة لإرضاء نزعات التأليف التي تفجرت عنده فجأة، كما ألف العديد من رقصات البولكا والفالس. وعندما بلغ الثالثة والعشرين أخذت الموسيقا كل وقته وفكره وكيانه، فاستقال من وظيفته واتجه إلى دراسة الموسيقا في معهد الموسيقا بسانت بطرسبرج.
وبعد عامين للتدريس في كونسرفتوار موسكو كتب ثلاثة أعمال كبيرة أهمها: سيمفونيته الأولى «أحلام الشتاء»، كما كتب يومياته التي نعرف منها أنه كان يعاني من اضطرابات عصبية. وكان مصدر راحته هو العزلة والهروب إلى الهدوء في الريف.
وفي صيف 1868 التقى بالخمسة الكبار، المؤلفون القوميون الروس الذين دعوا إلى حركة قومية في الموسيقا، وكان منهم المؤلف رميسكي كورساكوف وبالاكرييف. وفي عام 1875 أحس تشايكوفسكي بالتشاؤم والاكتئاب الشديد، واضطر للسفر إلى فيشي بفرنسا للعلاج، وزاد في تشاؤمه أن أعماله لم تلق نجاحاً في مختلف العواصم الأوربية. لكن أحاسيسه وانفعالاته تطورت في هذه الأثناء خلال فترات طويلة من الإحباط النفسي، ومن المثير للعجب أنه قد ألف بعضاً من أكثر مقطوعاته الموسيقية بهجة خلال هذه الفترة، كـ«بحيرة البجع وكسارة البندق والكابريشيو الإيطالي، ونتكراكر سويت، وكونشرتو للبيانو، والأوركسترا رقم 1، والجمال النائم، والعاصفة، ومانفريد، وروميو وجولييت، وهاملت، وفرلاانشكا داريمني، والرباعية الوترية الثالثة»، واستمر بتقديم الكثير والجميل إلى أن توفي بمدينة سان بيترسبورغ بروسيا.
استقطبت ألحان هذا العظيم اهتمام الموسيقيين المحترفين ونظرائهم الناشئين، الذين يبدأون بتعلم أبجديات الموسيقا من خلال ألحانه. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة «يونيسكو» فإن أعمال تشايكوفسكي تصدح على مدار الـ 24 ساعة في العالم، مما يعني أن موسيقى هذا الفنان العملاق تعزف الآن في مكان ما، أثناء قراءة هذه الكلمات، ليتحول إلى رمز عالمي خالد للجمال والروعة يستحق الكثير من الاحترام والتقدير.