«قلب أبيض جداً».. شهريار عصري بلا شهرزاد
لينا هويان الحسن لينا هويان الحسن

«قلب أبيض جداً».. شهريار عصري بلا شهرزاد

«يداي من لونك، لكن، يُخجلني أن أحمل قلباً ابيض جداً»، بهذه العبارة «الشكسبيرية» يستهل الروائي الاسباني خافيير مارياس روايته الشهيرة « قلب أبيض جدا» التي قام بترجمتها علي ابراهيم أشقر، وصدرت مؤخراً عن وزارة الثقافة دمشق.

الرواية تنتمي إلى أدب الجريمة، أي الجريمة التي تتحول إلى عمل روائي دون أن تصنّف ضمن الأدب البوليسي. لأن الرواية لا تحتوي على محقق يتقصى أسرار الجريمة ويتتبع شخصاً بعينه. فبطل الرواية ذاته يقوم بسرد جرائم عدة تذكرنا بعمل أدبي شهير «الرجل ذو اللحية الزرقاء» للأديب الفرنسي شارل بيرو، المكتوبة في عام 1697 التي تدور حول الرجل ذي اللحية الزرقاء الذي تزوج بامرأة جميلة وسكن معها في قصر كبير طالبا منها أن لا تفتح إحدى الغرف خلال غيابه، لكنها لا تتمالك نفسها فتفتح الغرفة لتجد جثث النساء اللواتي تزوجهن قبلها.


موضوع رواية «قلب ابيض جدا» يتقاطع بشكل واضح مع موضوع عمل شارل بيرو. ولعل مارياس يبرر نفسه في أحد تصريحاته حيث يقول: «إن هناك موضوعات معينة للكاتب، ومنها: الخيانة، السرية، استحالة معرفة الأشياء أو الناس أو حتى نفس المرء، وهناك أيضا الزواج والحب، وهذه الأمور هي التي يتناولها الكتاب، إن تاريخ الأدب هو سقوط قطرة الماء نفسها على الحجارة نفسها، ولكن بلغة أخرى، وبطريقة أخرى وأشكال مختلفة، ولكنها تبقى الشيء نفسه، القصص نفسها، قطرة الماء نفسها، والحجارة نفسها منذ هوميروس أو قبله».


في هذه الرواية نجد أنفسنا إزاء شهريار عصري، لكن من دون شهرزاد تقصّ عليه كل ليلة قصة. بل هو من انتظر طويلاً حتى ظهرت في أفق حياته شهرزاد الجديدة، كنته لويسا، ليقصّ عليها في ليلة واحدة قصة قتله زوجته الأولى، ودفعه الثانية إلى الانتحار ونجاة الثالثة. كل ذلك على مسمع ابنه زوج شهرزاد الراقد في مخدعه، إثر عودته المفاجئة من سفر بعيد، وهو الذي لم يشأ أن يعرف لكنه عرف أخيرا.


في هذه الرواية يثبت ماريّاس عبارة تقولها لويسا في روايته هذه: «كل شيء قابل لأن يُقصّ، يكفي أن تبدأ، ثم كلمة تأتي وراءها كلمة»، حتى لو كان الأمر متعلقا بجريمة أو جرائم عدة.


الرواية، تروى عبر سلسلة من المشاهد، بعضها يعود إلى عهد الطفولة، ومشاهد أخرى من الشباب المبكر يضفي عليها الروائي مسحة من الفكاهة ولمسة ناعمة تكاد تكون بوليسية، لرواية تنسجم مع قول مارياس في أحد حواراته الصحافية: «للحب وللوقوع في الحب، اعتبارات حسنة، لكنه يكون أحياناً على العكس من ذلك، لقد رأيت في حياتي أناساً نبلاء يتصرفون بشكل سيئ عندما يكونون في حالة حب، كما أن هناك (القدر) الذي يدفع الواحد منا إلى ذلك الحب، ويقول الناس دائما: «لو لم أذهب إلى تلك الحفلة، أو ذلك المكان، لما قابلتها أو قابلته!».


يذكر أن مارياس ولد في مدريد عام 1915، والده، فيلسوف بارز، نشاطاته لتأييد الجمهورية أدت إلى سجنه، بعد الحرب الأهلية، وكانت والدته مترجمة.


بدأت قصته مع الكتابة، خلال ستة أسابيع أمضاها في باريس. كتب مارياس أولى رواياته «دومينو الذئب»، وهو في الـ 20 من عمره، كما شاهد 85 فيلماً.


وفي الأعوام التالية، طبعت له روايتان، لكن عمله كمترجم جاء في المقدمة، وقد فاز بجائزة الدولة عن الترجمة عام 1979، والترجمة كانت مفيدة له كقارئ وكاتب.


في روايته هذه تتضح خصوصيته بامتلاكه أسلوبه الخاص، الجملة الطويلة المتشعبة والموسيقية. ومن المعروف أن روايته هذه «قلب ابيض جدا» هي التي رفعت اسمه، فحقق المرتبة الأولى في المبيعات، وبيع منها 1،3 مليون نسخة.


السفير