إيران ترد وواشنطن تغرق في وحل مستنقعاتها!

إيران ترد وواشنطن تغرق في وحل مستنقعاتها!

انتهت ساعات من الترقب بعد إعلان إيران عن بدء هجوم متعدد المستويات على الكيان الصهيوني في ردها على استهداف مبنى القنصلية في دمشق في 1 نيسان، عملية «الوعد الصادق» يمكن ان تفرض قواعد جديدة للاشتباك، وتوضح في الوقت نفسه حجم وطبيعة القدرات الإيرانية.

الضربة الصهيونية في دمشق أدت إلى استشهاد 7 ضباط إيرانيين على رأسهم محمد رضا زاهدي قائد مستشاري الحرس الثوري في سورية ولبنان، وكان لهذا الاعتداء تداعيات كبيرة على المستويات كافة، فالاستهداف المباشر للمبنى القنصلي الملاصق للسفارة الإيرانية في دمشق خرق للأعراف والقانون الدولي، ولاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ما دفع الحرس الثوري وبالاستناد إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لاستهداف الكيان الصهيوني بشكلٍ مباشر في سابقة، وأوضح بيان لجيش الاحتلال إن: «إيران أطلقت أكثر من 300 تهديد من أنواع مختلفة منها صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة وصواريخ كروز».

في النتائج العسكرية المباشرة

أكد قائد الحرس الثوري، حسين سلامي: أن جيش بلاده نفّذ «عملية محدودة» وقال: إن نصف الصواريخ أصابت أهدافها، وصرّح بأن الهجوم أدى إلى «تدمير موقعين عسكريين [إسرائيليين] مهمين» من بينهما قاعدة نفاطيم الجوية، التي تعتبر الحظيرة والقاعدة الرئيسية لمقاتلات إف-35. وأضاف سلامي، أن الهجوم «انتهى ولا يوجد رغبة في مواصلته» محذّراً الكيان من استهداف المصالح الإيرانية، وشدّد أن القواعد الأمريكية لن تكون بمأمن في حال شاركت واشنطن في أي هجوم ضد إيران.
ذهبت المصادر الرسمية الأمريكية والصهيونية لتقديم صورة مختلفة عن مدى فاعلية الهجوم، فادعى جيش الاحتلال أن «99% من الصواريخ تم اعتراضها عبر أنظمة الدفاع الجوي» وأعلنت أن الأضرار التي تعرض لها الكيان كانت طفيفة، رغم إقرارها بأن عدداً من الصواريخ وصلت إلى أهدافها وضربت مواقع عسكرية.
والجدير بالذكر في هذا السياق، أن محاولة التصدي للهجوم الإيراني لم تكن بقدرات جيش الاحتلال منفرداً إذ شاركت مقاتلات أميركية وبريطانية في إسقاط بعض الطائرات المسيّرة التي كانت موجهة إلى «إسرائيل» فوق منطقة الحدود العراقية السورية، وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال: إن فرنسا كانت من ضمن الدول المشاركة في الدفاع. هذا بالإضافة إلى إطلاق النار من قبل مقاتلات أردنية على عشرات المسيرات الإيرانية في الأردن.

في فهم «الوعد الصادق»

العملية الإيرانية تعد سابقة ضمن قواعد الاشتباك في المنطقة، وإن كانت الأرقام المتداولة خاضعة للتجاذبات وشديدة التباين، فهناك رغم ذلك ثوابت واضحة، فالهجوم الذي استمر لساعات قليلة كان كفيلاً بتعطيل المجال الجوي لكل من العراق والأردن ولبنان وسورية والكيان، ونجحت إيران بإطلاق هجوم نوعي من أراضيها بالرغم من الصعوبات اللوجستية التي تتمثل ببعد المسافة التي تتراوح بين 1100 و1500 كم، وأيضاً حجم ونوعية الدفاع الجوي الصهيوني، الذي يشمل عدد من المستويات تعد أحدث ما تملكه الترسانة الغربية. فالمسيرات والصواريخ الإيرانية كانت مضطرة لقطع مسافة طويلة في أجواء غير آمنة مع تواجد أمريكي على طول الطريق، لتجابه بعدها أنظمة الدفاع الجوي المذكورة وطائرات F35 المتطورة، ومع ذلك نجح عدد من هذه الصواريخ بالوصول إلى أهدافها.
وما ينبغي توضيحه في هذا السياق، أن هذا النمط من العمليات الذي يعتمد على أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة والصواريخ المتعدد يحتاج أولاً إلى درجة عالية من التنسيق، بالإضافة إلى أنّه لا يعتمد على وصول جميع الوسائل المستخدمة في الهجوم إلى أهدافها، بل على العكس، فهجوم كهذا يستهدف بشكل أساسي إرباك أنظمة الدفاع الجوي واستنزافها بشكلٍ كبير بهدف ضرب أهداف نوعية محددة تكون أكثر أهمية، مثل: قاعدة نفاطيم الجوية في هذه الحالة.

نتائج أوّلية

الرد الإيراني له سياق لا يمكن تجاوزه، فمنذ بدء العدوان الصهيوني على غزّة سعت الإدارة الأمريكية إلى استثمار اللحظة لتفجير المنطقة، لكن تطور الأحداث أخذ منحىً مختلفاً، فبالرغم من أن خطر التفجير لا يزال قائماً، لكن الهدف الأمريكي يفترض إشعال الإقليم دون أن يعني ذلك غرق الولايات المتحدة في مستنقع من هذا النوع، فالهدف الأمريكي كان دائماً تحويل المنطقة إلى مستنقع للآخرين، لكن الرد الإيراني المحدود فرض على ثلاث دول غربية أساسية أن تكون حاضرة بعدتها وعتادها، ما يشكّل كارثة بالنسبة للولايات المتحدة المأزومة، فبحسب وكالات الأنباء الصهيونية فإن تكلفة صد الهجوم الممتد لساعات قليلة تجاوزت مليار دولار أمريكي! وهو ما يعتبر مؤشراً على ما يعنيه تطور الصراع إلى مستوى كهذا لمدة أطول في هذه المنطقة الاستراتيجية، فالخيار الأمريكي سيكون حينها إما الاستغناء عن قاعدته المتقدمة - الكيان الصهيوني - وإما الدخول في مواجهة مباشرة من هذا النوع.

الرد الإيراني المحدود لم يحسّن العلاقات بين «إسرائيل» والولايات المتحدة، بل يمثل عامل ضغط إضافي عليها، وسرعان ما ستنفجر الخلافات مجدداً، وهو ما بدأ يظهر على الإعلام منذ صباح اليوم التالي، فالأمريكان يتجنبون الوقوع في مواجهة من هذا النمط أكثر من الآخرين، لأن دخول الولايات المتحدة في مواجهة مع إيران حتى وإن خرجت منتصرة، فذلك يعني أنها مضطرة للدخول في قتال على جبهة جديدة ويعيق التموضع الاستراتيجي المطلوب أمريكياً. الصراع بالنسبة للقوى العظمى أكبر من حدود منطقتنا ودفع القوات الأمريكية للقتال في منطقة ممتدة من اليمن إلى البحر المتوسط يعني إشغالها، وبالتالي يقرّب نهاية الدور الأمريكي عالمياً وهو المطلوب بالضبط!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1170
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 22:40