حقيقة دعوة واشنطن لوقف إطلاق النار في غزّة

حقيقة دعوة واشنطن لوقف إطلاق النار في غزّة

ذاق الشعب الفلسطيني -خلال الأيام المئة والثمانين الماضية- المأساة بأشكالها، في ظل العدوان الصهيوني المدعوم أمريكياً، والمستمر على القطاع وكامل الأراضي المحتلة، إذ تحوّلت حياة الغزيين إلى كابوس لا يمكن نسيانه، وبرغم الدور الأساسي لواشنطن في هذه المجزرة تستمر المحاولات في القاهرة للوصول إلى اتفاق بين المقاومة الفلسطينية ممثلة بحماس مع الكيان الصهيوني، فهل يمكن أن نشهد خرقاً في هذا الخصوص؟

انكشف بوضوح، أن المبادرة الأمريكية التي يفترض أن تصل إلى الاتفاق المذكور لم تتسم بالجدية الكافية، بل ظهرت بوصفها محاولة مستمرة لكسب الوقت، وتخفيف الضغط الذي ولدته العمليات الإجرامية التي نفّذها جيش الاحتلال في القطاع، إذ انكشفت هذه الجرائم أمام العالم فبات إخفاؤها أمراً عسيراً، ومع ذلك تحاول ماكينة الإعلام الصهيونية والأمريكية أن تُحمّل «حماس» مسؤولية التأخر في الوصول إلى اتفاق، حتى بعد أن باتت الشروط التي تحاول الولايات المتحدة فرضها معروفة للجميع، فهي تشبه إلى حد كبير فرض «معاهدة استسلام» لا على حركة حماس فقط، بل على الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة كلّها.

لقاء جديد في القاهرة

يفترض أن تبدأ الجولة الجديدة من المفاوضات في القاهرة يوم الأحد 7 نيسان، وأكدت حركة حماس حضور وفدها، لكنها أعادت تثبيت موقفها من هذه المفاوضات، وأعلنت في بيان لها، أن «حماس تؤكد تمسكها بموقفها الذي قدمته يوم 14 مارس/ آذار الماضي، وهي مطالب طبيعية لإنهاء العدوان ولا تنازل عنها» وأعادت عرض موقفها الذي تطرحه باسم الفصائل المقاومة الفلسطينية بشكل مكثف معلنة، أن «مطالب شعبنا وقواه الوطنية تتمثل بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة، وعودة النازحين إلى أماكن سكناهم وحرية حركة الناس وإغاثتهم وايوائهم، إضافة لصفقة تبادل أسرى جادة».
وفي السياق نفسه، نقلت وسائل الإعلام عن مسؤولين، أن الإدارة الأمريكية «بعثت مؤخراً رسالتين خاصتين إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر» يركز مضمونهما على «الضغط على حماس لتسريع مفاوضات وقف إطلاق النار» ما أكد مجدداً أن المسار الأمريكي في هذا الخصوص لم يتغير، ولا تحمل التقارير المختلفة أي مؤشرات تدل على احتمالات جديّة للخروج بنتائج ملموسة خلال اللقاء الجديد.

ماذا عن مكالمة بايدن- نتنياهو؟

نشر البيت الأبيض في 4 نيسان الجاري بعضاً مما دار في مكالمة دارت بين رئيس الوزراء الصهيوني والرئيس الأمريكي، ما أثار الانتباه في هذا الخصوص هو دعوة بايدن «لإيقاف إطلاق النار» والذي رأى البعض فيه تحوّلاً في الموقف الأمريكي، لكن وبالعودة إلى النص الرسمي المنشور يظهر أن بايدن كرر بعضاً من مواقفه الجوفاء بالحديث عن الوضع الإنساني واستهداف العاملين في المجال الإنساني، وأكد أنه «بات من الضروري أن تعلن [إسرائيل] وتنفّذ سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة القابلة للقياس» ويقول بايدن حسب النص المنشور: «إن الوقف الفوري لإطلاق النار ضروري لتحقيق الاستقرار وتحسين الوضع الإنساني وحماية المدنيين الأبرياء» ويختتم حديثه بالتأكيد على أن الولايات المتحدة تدعم [إسرائيل] بقوة في مواجهة «التهديدات الإيرانية».
ما إن خرج هذا البيان حتى تحوّلت العبارة المرتبطة بوقف إطلاق النار إلى عنوان أساسي في كثير من الصحف، واعتبرها البعض «تحوّلاً» في الموقف الأمريكي، لكن الوصول لاستنتاج من هذا النوع يبدو متسرعاً، فهناك سياق متكامل لا يجوز القفز فوقه.

عن أي سياق نتحدث؟

في المبدأ، يمكن أن تضطر واشنطن لوقف إطلاق النار، وحثّ الكيان على الخضوع للأمر، لكن هذا إن حصل لن يكون نتيجة للجرائم الصهيونية بحق المدنيين العزل، بل سيكون إعلان فشل للمخطط الذي عملت عليه منذ اندلاع هذه الحرب، فالتطورات لم تكن في صالحها منذ اليوم الأول، وفشلت مساعيها في التحكم بمسار الأمور، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الوقت لن يكون متاحاً، فهذا يعني أن التراجع خيار وارد، وحينها يمكن أن تعلن واشنطن أنها «تأثرت» أخيراً بموت أكثر من 30 ألف إنسان!
لكن بعض التصريحات التي رافقت المكالمة الأخيرة تبدو كما لو أنّها تأكيد على الموقف الأمريكي لا تغييراً له، فقد أعاد مستشار الأمن القومي منذ أيام عرض الموقف الأمريكي، وأكد أن بلاده لا «تخطط لتغيير وشيك في نهجها في التعامل مع [إسرائيل]»، وجدد في الوقت نفسه دعمهم لما أسماه «حق [الإسرائيليين] في الدفاع عن أنفسهم»، وبالرغم من أنه أقر باستحالة «القضاء على أيديولوجيا بالوسائل العسكرية» إلا أنه عرض قائمة من المهام الأخرى التي يمكن تحقيقها عبر هذه الوسائل حسب ادعائه، وهي بالضبط ما كان الكيان يحاول تحقيقها منذ بدء الحرب، فقال: «إن قطع رأس قيادات حماس وتجفيف مواردهم والقضاء على بنيتهم التحتية وقدرتهم على العمل وتخزين الأسلحة وتدريب القوات، وكل هذه الأمور يمكن استهدافها بالوسائل العسكرية».

كل ما سبق يفضي إلى أن التشكيك في وجود تبدّل في الموقف الأمريكي أمر مشروع، فالولايات المتحدة أدت دوراً حاسماً في دعم الكيان خلال هذه الحرب، بل كان نخبة من رجال الإدارة الحالية يحضرون اجتماعات غرفة الحرب، ويساهمون في اتخاذ الكثير من القرارات الحاسمة، ويبدو إذا ما نظرنا للجولات السابقة من المفاوضات، أنها ربما صممت أصلاً لتصل إلى طريق مسدود، وإن كانت عرقلة هذا المسار بمثابة خدمة للسياسة الأمريكية في المنطقة، إلا أنها لن تمر دون ضريبة سياسية كبيرة، وعلى هذا الأساس ستكون أبرز ملامح الفترة القادمة تحطيم هيمنة واشنطن على إدارة ملف القضية الفلسطينية بغية تسويفه وعرقلة حله، وما يعنيه ذلك من فتح الطريق أمام قوى جدّية أخرى لإنجاز هذه المهمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1169
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 12:41