في الصراع على ما تبقى من الكعكة: أين يقف السودانيون؟

في الصراع على ما تبقى من الكعكة: أين يقف السودانيون؟

خلال أيام قليلة أصبحت الأحداث الدامية التي يشهدها السودان محور اهتمام عدد كبير من الدول في إفريقيا والعالم، فالمصالح المتشابكة للأطراف المتنوعة فرضت على الجميع صياغة مواقف أولية، وبدأت الدول على - اختلاف أجنداتها- محاولتها التأثير في الأحداث، فبدأنا نشهد تصريحات ومبادرات وتدخلات يشكك البعض- نظراً لتعقّد المشهد- في قدرتها على التخفيف، أو وقف الاشتباكات.

اندلعت يوم السبت 15 نيسان الجاري اشتباكات دموية بين مكوني المجلس العسكري السوداني، الذي يعدّ امتداداً للجنة الأمنية المشكّلة في عهد الرئيس السابق عمر البشير، للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت بهدف تغيير النظام القائم. وأثبتت السنوات التالية لانقلاب هذه اللجنة على عمر البشير وإزاحته عن الحكم، أنَّ خطوتها تلك كانت محاولة للحفاظ على النظام القائم، عبر إجراء تغييرات شكلية لا أكثر، وتعقدت المشكلة مع ظهور «القوى المدنية» التي لم تضع هي الأخرى برنامج تغيير حقيقي، ما جعلها في موقع التنافس على السلطة بدلاً من تقديمها كحامل للتغيير الجذري المطلوب شعبياً. وأضحى مجلس السيادة السوداني بمكونيه «المدني» و«العسكري» منشغلاً في حسابات المصالح الضيقة، ولم يكن على أجندته- كما أثبت الواقع- أيّاً من القضايا الجوهرية، مثل: إعادة توزيع الثورة بشكلٍ عادل، أو وقف نهب ثروات السودان الذي استمر لعقود وأفقر السودانيين، وفشل «مجلس السيادة» أيضاً في نزع فتيل صراع عسكري طويل لم يتوقف حتى بعد انفصال الجنوب.

نقطة اشتباك إقليمية ودولية

تعدّ منطقة القرن الإفريقي ومحيطها مجالاً استراتيجياً وحيوياً، فبعد أن عملت الدول الغربية لعقود على إشعال وتغذية الحروب والاقتتال الأهلي هناك، شهدنا مجدداً سعياً غربياً محموماً لرفع التوتر إلى درجته القصوى الممكنة، أملاً في إعاقة النفوذ الصيني والروسي المتنامي الذي استطاع تأدية دور جديد، وقدّم في إطاره العام نموذجاً لشكل علاقات مختلف بالدول الإفريقية. والسودان بموقعه وتركيبته كان عقدةً مهمة في هذا الصراع. فشكّل تاريخياً امتداداً لمحيط مصر الحيوي، وهو الذي كان جزءاً منها حتى ماضٍ قريب، وظّل ما يجري فيه مؤثراً على الأمن الوطني لمصر، ما دفع الأخيرة لإيلاء اهتمام خاص لكل ما يجري على حدودها الجنوبية، وخصوصاً، أنّ السودان جزءٌ أساسي من وادي النيل الاستراتيجي. وكوّنه طرفاً أساسياً في أزمة سد النهضة جعله هذا محط اهتمام إثيوبيا، التي كانت أيضاً تخوض صراعاً دامياً مع التيغراي، ووجهت اتهامات للسودان بدعم «جبهة تحرير تيغراي» عبر حدوده مع إثيوبيا في الجنوب الشرقي. وشهدت الحدود الغربية مع تشاد التي تمتد لحوالي 1400كم نزاعات متشابهة، كان أبرزها في مطلع الألفية الجديدة، حين امتد النزاع في دارفور إلى تشاد، ودعم كلّ بلد متمردي البلد الآخر.
هذه التشابكات لم تؤثر على مصر وإثيوبيا وتشاد فحسب، بل تتأثر كلّ الدول المحيطة في أي نزاع جديد في المنطقة، وعلى ضوء ذلك يمكن فهم الخطورة في استمرار النزاع العسكري الحالي، أو توسّعه، وخصوصاً إذا ما أخذ شكلاً قومياً أو قبلياً، ما يعني امتداد النزاع إلى أبعد من الحدود السودانية الحالية. ليتحول إلى بؤرة توتر جديدة في الإقليم والعالم.

الموقف من الأطراف المتحاربة

يتجنب العدد الأكبر من الدول دعم أيٍ من الأطراف بشكلٍ علني، وبرغم نشر عدة تقارير إعلامية واستخباراتية عن أدوار مختلفة لقوى إقليمية ودولية، تتفق معظم المواقف الرسمية من حيث الشكل، فيؤكد الجميع على أهمية ضبط النفس ووقف القتال، وضرورة فتح قنوات للحوار مع الجيش السوداني و«الدعم السريع»، وتتزايد الدعوات للوساطة والتوصل إلى هدنة مؤقتة، لكن تطور الأحداث يؤكد أن التدخلات الخارجية قائمة بالفعل، لكن وبعيداً عن رسم الامتدادات الإقليمية والدولية للأطراف المتقاتلة، ينبغي الإشارة إلى حقائق ينكرها البعض.
كان للمجلس العسكري السوداني حصة الأسد من السلطة الفعلية في السودان، وتحديداً بعد تأريض الجناح المدني في المجلس السيادي. ولا مجال للشك بأن أقطاب السلطة العسكرية «الجيش» و«التدخل السريع» كانا بحكم الأمر الواقع بوابة العبور الإجبارية لعلاقات الخارج مع السودان، ولذلك لم يكن بالإمكان لأية قوة إقليمية أو دولية أن تتجاهل «البرهان» أو «حميدتي» حتى وإن فضّلت أو دعمت طرفاً على حساب الآخر. ومن هذه الزاوية أيضاً لا يمكن بحال من الأحوال تحميل مآل السودان لطرفٍ بعينه وتبرئة الآخر، فميليشيا التدخل السريع أدت دوراً معقداً ومتشابكاً في النزاع الأهلي السوداني، وكانت سنداً لعمر البشير الذي لقّب محمد حمدان دقلو بـ «حمايتي» بدلاً من «حميدتي» في إشارة إلى دور الأخير في تأمين الغطاء العسكري للبشير. في المقلب الآخر، لم يكن الدور السياسي والعسكري لعبد الفتاح البرهان مختلفاً عن «حميدتي» في كثير من المفاصل الجوهرية. وكمثال على ذلك: نقل موقع «أكسيوس Axios» الأمريكي عن مسؤولين صهاينة قولهم: إن «وزارة الخارجية الإسرائيلية تنخرط في السنوات الأخيرة مع البرهان في عملية التطبيع، وأن وكالة الموساد تتواصل مع حميدتي في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب» ما يقدّم- إن صح ما نقله الموقع الأمريكي- خير دليل على تكامل الأدوار التي أداها الطرفان.
لا تبدو مؤكدةً بَعد، نجاحات وساطات بعض الدول في التوصل لوقف إطلاق نار فعلي ومستدام في السودان، وخصوصاً أن دولاً، مثل: الإمارات والولايات المتحدة عملت على تأجيج الخلافات لا حلحلتها، حتى إن الولايات المتحدة بدأت تهدد بفرض عقوبات على كلا الطرفين ما يمكن أن يعقد المشهد أكثر، وتحديداً، أن هذا الإعلان ترافق مع إعلانٍ آخر لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن نشر قوات أمريكية بالقرب من الأراضي السودانية. لكن ذلك لا يمنع من أن أطرافاً أخرى ترى في توسع هذه المواجهات تهديداً حقيقياً، ما يمكن أن يدفعها للعب دورٍ حقيقي في التهدئة.

ما يشهده السودان اليوم ما هو إلا نتيجة طبيعية لإعاقة عملية التغيير التي بدأت منذ سنوات، فمهمة تغيير النظام كانت شرطاً ضرورياً وملزماً لبقاء السودان، وبالرغم من أن تدخلات خارجية تحدث فعلاً، إلا أن الخارج استند إلى وضع داخلي مضطرب، غُيبت فيه مصلحة السودانيين، وعلت أصوات «مقتسمي الكعكة» الآخرين. التأخر في إيقاف الصدام الحالي سيكون كارثياً على وحدة السودان ومصالح شعبه، الذي ورغم موقفه السلبي من دور «البرهان» و«حميدتي» وكل القوى السياسية الأخرى التي تاجرت بدمائه، فإنه يدرك حاجته لجيش وطني موحد، ولا بد أنه يعلم أيضاً، أن مصلحته لن تكون بالانجرار إلى طريق الاقتتال الأهلي الوعر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1119
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 22:21