حرب ترامب التجارية: أقوال أم أفعال؟

حرب ترامب التجارية: أقوال أم أفعال؟

صعّد الرئيس الأمريكي في تصريحاته الأخيرة ضد التجارة الصينية، موصلاً رقم التعرفات المستهدفة إلى مستوى غير مسبوق... فالولايات المتحدة تستخدم التهديدات لتمارس تأثيراً ما على الاقتصاد العالمي، ذلك التأثير المتراجع بشكلٍ ملحوظٍ، مقابل دور دول أخرى وتحديداً الصين والهند، التي تسابق الولايات المتحدة لقيادة العالم الاقتصادي.

«الولايات المتحدة كإمبراطورية مقابل بقية العالم، وصلت إلى ذروة سيطرتها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وبعدها بدأت تزداد قوة دول أخرى، وتحديداً الصين بالإضافة إلى الهند المتصاعدة اليوم...» وفق مارك فايبر اقتصادي من وكالة غلوم بوم ريبورت. والذي يرى أن الولايات المتحدة ستكون الخاسر الأكبر من الحرب التجارية التي توقدها، فالأوروبيين سيتاجرون أكثر مع آسيا، والآسيويون كذلك سيتوسعون تجاه أوروبا، والجميع سيغادر الولايات المتحدة. مستفيد آخر من الحرب التجارية الأمريكية، هي روسيا التي ستشهد زيادة اعتماد الصين على مواردها، والعكس بالعكس.
كما أن الحرب التجارية ستنعكس سلباً على النمو الاقتصادي العالمي، المتراجع قبل هذه الإجراءات. الدول التي ستتأثر إلى حد بعيد بهذه الحرب، هي دول صاعدة مثل: تركيا، والبرازيل، والأرجنتين، كنتيجة لأوضاعها المالية المعقدة، عملاتها الضعيفة، بالإضافة إلى الديون الكبيرة.
ولكن تبعاً لتصاعد الدولار مقابل العملات الأخرى، فإن الحرب التجارية الأمريكية لن تستطيع الاستمرار، فالصادرات الأمريكية مرتفعة الثمن، تفقد المزيد من الميزات مقابل صادرات الدول الأخرى التي تنخفض قيمة عملاتها بالقياس للدولار.

الالتلويح بنصف تريليون دولار
تستمر تهديدات ترامب بإيصال الضرائب على المستوردات إلى 500 مليار دولار على البضائع الصينية، حيث قال ترامب: «أنا مستعد لإيصالها إلى 500 مليار دولار» معتبراً أنها ضرورية في حال تسارعت الحرب التجارية مع الصين، وفق ما صرح به لوكالة cnbc الأمريكية.
رغم كل الأرقام المتصاعدة، التي بدأت بقرابة 100 مليار دولار، ووصلت إلى 200، وتصل اليوم إلى التلويح بإمكانية إيصال الضرائب الجمركية إلى نصف تريليون دولار... فإنها حتى الآن لا تتجاوز الرسوم التي تتبادلها البلدان قيمة 34 مليار دولار، عندما أدخلت الولايات المتحدة رسوماً حيز التنفيذ بتاريخ 6-7، وردت الصين بعد ساعات فقط، بضرائب على الواردات الأمريكية على مواد محددة فول الصويا، السيارات، وتعهدت برد مماثل على كل إجراء أمريكي.
إيصال الرسوم إلى 500 مليار دولار كما يقول ترامب، يعني فرض ضرائب على كل السلع المستوردة من الصين دون تمييز. فعملياً بلغت واردات الولايات المتحدة من الصين العام الماضي 505 مليار دولار، بينما كانت صادراتها لا تتعدى 129 مليار دولار.
عقب تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة، فإن الأسهم المستقبلية في أسواق الولايات المتحدة قد انخفضت، وسجل مؤشر داوجونز انخفاضاً بمقدار 130 نقطة.

ردّ تعاوني على الهجوم
الصين لا تزال في إطار الرد المرتبط بالتعرفة مقابل التعرفة، ولكن الإجراءات قد تصل إلى تقليص الاستثمارات الأمريكية، إيقاف استيراد النفط والغاز من أمريكا، بيع الديون الأمريكية، وكذلك تخفيض اليوان بما يخدم قيمة صادرات الصين.
وفق استطلاع أجراه موقع FT Confidential Research، فإن 54% من المستطلعين في 300 مدينة صينية قد أشاروا إلى استعدادهم إلى مقاطعة البضائع الأمريكية في حال اشتداد الحرب التجارية، بينما نسبة 33% لا يشترون الماركات الأمريكية، أما النسبة الباقية من المستطلعين أشاروا إلى أنهم غير مستعدين لمقاطعة هذه البضائع.
الردود الدولية لا تزال متمثلة بالتصريحات وتمتين العلاقات الاقتصادية الدولية بين الأوروبيين والصينيين كما حدث في 16-7، في زيارة رئيس المجلس الأوروبي ورئيس المفوضية الأوروبية، ورئيس البنك الدولي إلى الصين، ولقائهم مع الرئيس الصيني، حيث كان موضوع الحرب التجارية، والعلاقات الأوروبية الصينية في صلب اللقاء.
المتحدثة باسم الخارجية الصينية كانت قد صرحت للصحفيين في حينه، أن: «الولايات المتحدة تجرّ الاقتصاد العالمي برمته إلى مكان خطر، من خلال اعتبار بقية العالم خصوم... وإذا ما استمرت في هذا السلوك فإن هذا لن يؤدي سوى إلى زيادة عزيمة دول العالم على الرد».
عدا عن التنسيق الأوروبي الصيني في الرد على الحرب التجارية، من المتوقع أن تركز قمة البريكس المقبلة في 25-27 تموز في جنوب إفريقيا، على موضوع مواجهة السياسات التجارية الحمائية الأمريكية، وإمكانية تنسيق الجهود لمواجهتها.

بين هدم المنظمات وإعادة بنائها
مقابل التصعيد الأمريكي ضد منظمة التجارة العالمية، والتلويح الأمريكي بالانسحاب منها- بعد أن رفضت الولايات المتحدة تعيين قضاة جدد في هيئة الاستئناف التابعة للمنظمة- فإن دول البريكس تتهم واشنطن بإعاقة عمل المنظمة الدولية، وتقود العملية الهادفة إلى مراجعة حصصها في منظمة دولية أخرى وهي صندوق النقد الدولي، لتزيد مساهمة الدول النامية فيها، وتحديداً دول مثل: الهند والصين والبرازيل وروسيا التي تريد زيادة حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي، لتعكس حصتها المتنامية في الاقتصاد العالمي.
تعبر الإجراءات الحمائية الأمريكية عن سياسة الانعزال أو الانكفاء الأمريكية، المرتبطة بنهج الرئيس ترامب، وعموم التيار اليميني الشعبوي، وبينما تكثر التصريحات الأمريكية في هذا الخصوص، فإن الإجراءات الفعلية متدرجة متخوفة، لأن الولايات المتحدة تعلم أنها قد تدفع أثماناً غالية من إثارتها لمزيد من الاضطرابات التجارية عبر العالم. الولايات المتحدة تفاوض عبر موقعها التجاري العالمي، وتحاول أن تحوّل ما تبقى منه إلى أداة ضغط، تؤمن لها أجدى انكفاء ممكن...