ترامب: شمّاعة الهزائم الأمريكية
يزن بوظو يزن بوظو

ترامب: شمّاعة الهزائم الأمريكية

يُشعرك ضجيج الإعلام منذ شهرٍ وحتى الآن حول لقاء ترامب وبوتين بأن قمّة هلسنكي تواطؤ يجري التمهيد له منذ ما يقرب الألف عام وسوف يُدمّر أمريكا لألف عامً مقبلة. ترامب، ذاك الوحش، يفتك ببلاده ولايةً ولاية ويضعفها.. أيّة لعنة أصابت أمريكا العظمى، لتٌطحن عظامها بفكّيه؟

لقد جرت أخيراً في السادس عشر من الشهر الجاري، وبعد كل الحملة الشرسة التي سبقتها، جرت القمّة التي تجمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في هلسنكي/ فنلندا، لتستكمل الحملة مسيرها أثناء وبعد اللقاء بشكلٍ أكثر انتشاراً وحدّيةً. وجزءٌ من كُل تلك المغالاة والمبالغات صحيح: واشنطن تُطحن وتضمر في نفسها أكثر فأكثر. وما قبل هلسنكي ليس كما بعده، ولكن إن لم يكن ترامب في هذه المرحلة من تاريخ واشنطن، كان ليكون أحدٌ غيره، وكان ليحدث الأمر ذاته: فالمرحلة تستدعي وجود شمّاعة يُعلقون عليها هزائمهم سواء أكانت بهذا الاسم أو ذاك.

منطق العرقلة ذاته والأسباب نفسها
إن هذه المحاولات البائسة من المتشددين الأمريكيين وأدواتهم الممتدة دولياً وعربياً كانت تسعى لإفشال القمة قبل حدوثها، ومن جانب آخر تستكمل سيرها في تجييش الرأي العام ضد تيار ترامب وسياساته التي لا تُخدّم مصالحهم بإحلال التوافقات والاتفاقات، فأيّة حربٍ جديدة تُفتح تكون كسابقاتها: مُجرد متنفسٍ مؤقتٍ لأزمتهم، إلا أن التغيرات والتطورات التي تجري تحول عائقاً دون ذلك، بل وعكسه، يجري منطق الحلول السياسية الذي يعني اختناقهم بأزمتهم التي لا مخرج لها، وفيما بينهم، ليتزايد الشرخ الأمريكي_ الأمريكي بشكل متسارع يوازي تسارع تراجعهم، حالهم كحال كُل من كان ولا يزال يُعول على الأمريكيين ونهج الحروب في مختلف الملفات الدولية ومنها سورية.

هلسنكي دوليا ومرحلياً
جرى في اللقاء بحث مُختلف القضايا الدولية، منها: سورية بشكل رئيس، وقد كانت نتائج هذا اللقاء إيجابية رغم كل التشويه الحاصل، فبعد وصول العلاقات الروسية_ الأمريكية إلى أدنى مستوياتها؛ حدوث مثل هذا اللقاء والتوافق الذي نتج منه والذي عُبر عنه بالتخفيف من الخلافات والتوافق على حلّ مختلف الملفات العالقة في هذا الشكل، وفي هذه اللحظة، وفي هذا المكان، يعني: ضربة قاصمة لأحلام أولئك المتشددين بسدّ الطريق نهائياً أمام إعادة إحياء التوترات، ومُنعطف دوليّ لا عودة عنه عنوانه الأساسي: إعلان التراجع الأمريكي والإقرار بالتوازن الجديد، ما سوف ينعكس إيجاباً وقريباً على سير عملية الحلّ

السياسي في سورية.
من بين ما تم الاتفاق عليه أيضاً كما أُعلن في نهاية المؤتمر الصحفي للرئيسين عقب اللقاء: مقترحات حول الاستقرار الإستراتيجي وعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى إمكان التعاون الاقتصادي، والعمل بين البلدين على تنظيم سوق النفط والغاز العالمي. وفيما يخص مشروع «السيل الشمالي 2» لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وصف ترامب روسيا بأنها «منافس جيد»، مضيفاً أن الولايات المتحدة ستنافس روسيا فيما يخص هذا المشروع، مشيراً إلى أن بلاده تعتزم أن تكون أكبر منتج للمواد الهيدروكربونية. وكان لا فتاً تركيز الإعلام الأمريكي خلال المؤتمر في أسئلته على ما قيل عن تدخلات روسية في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، في محاولة للضغط على ترامب، الذي بدا أنه لا يعير هذا الأمر أهمية، لتصبح هذه المسألة ذريعة لفتح وابل الانتقادات والسخرية على الرئيس الأمريكي بعد اللقاء.

قلنا وقلنا وقلنا
تحدثنا منذ أواخر التسعينات عن قرب انفجار الأزمة الرأسمالية الأخيرة، التي لا حلّ لها وانفجرت، وتحدثنا منذ أواسط العقد الماضي عن البدء ببوادر التغيير في الميزان الدولي واليوم أصبحت واقعاً، وتحدثنا منذ فوز ترامب بالرئاسة عن احتمالية جدّية بعدم استمراره لولايته كاملة نتيجة للانقسام الأمريكي وتناحر المصالح، لا بل ولا زالت احتمالية تفكّك الولايات المتحدة نفسها عن بعضها أمراً مهيأً للحدوث إن استمر التأزم والانقسام في هذا الشكل، علماً بأننا لا نتمنى مثل هذا الأمر للشعب الأمريكي العالق بين فكّي كماشة لما سوف يتلقاه من ضرر فوق ضرره الحالي.. وستشهد الأيام المقبلة صحّة هذه التوقعات كما هي تشهد اليوم صحّة دراساتنا السابقة.