سياسة أوباما الإمبريالية على محور باكستان - الشرق الأوسط

نزع قفازاته المخملية، وبانت خططه الحقيقية في الشرق الأوسط: قبضة عارية، ماسكة بمقبض السيف، الموجه نحو أفغانستان وباكستان- مع تأجيل البت بمصير العراق إلى وقت لاحق..
بدأت مهمة التحضير الإعلامي منذ شهور في سياق إدعاء متواصل عن حملة لتخفيض القوات في العراق، مقابل دعم الحملة العسكرية في أفغانستان و«التهديد المباشر» المزعوم القادم من باكستان.

صار واضحاً الآن أن التغيير «الصفري»، يحوم حول السياسة الخارجية الأمريكية، لتستمر كما هي، ناقصاً إستراتيجية إحداث تغيير في مواقع القوات وتركزها. هذه الحقيقة أصبحت واضحة عندما طلب اوباما مبلغاً إضافياً لمواصلة القتال في حروب العراق/ أفغانستان/ باكستان. علينا ملاحظة ما يسمى بـ«التمويل الطارئ» طريقة بوش ليستمر في حروبه، بحيث مكنته من القفز على الميزانية العسكرية المتضخمة أصلاً..
تم من الآن تحديد الميزانية العسكرية للعام 2010 بـ 534 مليار دولار! باستبعاد النفقات الطارئة من حساباتها، وبزيادة 4% عن ميزانية السنة السابقة.. هذا في وقت أخذت فرص العمل، التعليم، الصحة، والخدمات العامة تعاني من التمزق على مستوى البلاد، بحيث أن نعت مثل هذه الميزانية بأنها «لا أخلاقية إلى حد كبير»، هو تقدير قليل بحقها، لاسيما مع الأخذ في الاعتبار أن 12 مليون طفل في الولايات المتحدة الأمريكية مهددون بالمجاعة حسب تقدير صادر عنthe food bank advocacy Feeding America   بتاريخ 7 أيار بعنوان Child Food Insecurity in the United States: 2005-2007. كما وجدت الدراسة أن 3.5 مليون طفل تحت الخمس سنوات يواجهون المجاعة. وهذا الرقم يعادل 17%- واحد من كل ستة- من أطفال الولايات المتحدة بعمر خمس سنوات فأقل!!
المسألة الأخرى محل مساءلة أخلاقية هي توسيع الحرب في أفغانستان ولتمتد إلى باكستان- الحبة المسمومة التي يبتلعها الآن هؤلاء ممن اقتنعوا- في وقت سابق- بمصداقية نبرة اوباما ضد الحرب.. حيث وافقت لجنة المخصصات المالية مؤخراً على مبلغ 2.3 مليار دولار في شكل «نفقات طارئة» لـ«مساعدة» باكستان، وغالبيتها لأغراض الحرب: تدريب قوات وشرطة باكستانية ضد المتمردين وبناء سفارة أمريكية ضخمة.
في محاولة لخداع الرأي العام الأمريكي بشأن باكستان، قام اوباما بنقلة نوعية، مكروهة شعبياً، عبر تصعيد الإجرام في الحرب، وبالنتيجة سقوط المئات من الضحايا المدنيين. كذلك أدار أوباما ظهره للقانون في تعامله مع الرئيسين الألعوبتين لأفغانستان وباكستان: سيُقاتلان في حربه إلى ما لا نهاية أو يجري استبدالهما. إن المشهد الحديث لهذين الرئيسين في واشنطن هو «الوحدة والتعاون» مع خطط أوباما الحربية. وربما شكّل هذا المشهد المهزلة الإمبريالية الأكثر سطوعاً في التاريخ الحديث.
تحققت المقابلة «التاريخية».. وبعد أسابيع من تنكر حكومة الولايات المتحدة وقادتها العسكريين للرئيسين الألعوبتين، تم وضع قاعدة لهما لتطبيقها تتمثل في أن القائد «الأفضل» في أي من البلدين هو من يقاتل في حرب اوباما. ففي صحيفة واشنطن بوست.. نقرأ: «قال أحد كبار الموظفين.. بلغ حميد كرزاي مرحلة القائد على كل الجبهات»، و«ينوي اوباما أن يحتفظ باليد الطولى في العلاقة مع كرزاي على أمل أنها ستقوده إلى أن يُصرح (كرزاي) في مسائل تهم الولايات المتحدة ولمصلحتها، حسب موظف حكومي كبير».. 5 أيار 2009.
ما معنى «مسائل مهمة»؟ حسب شرح الصحيفة: «أراد اوباما أن يعلن كرزاي تجديد التزامه باتجاه أفضل يخدم عمليات التنسيق مع باكستان والولايات المتحدة التي ستوسع وجودها العسكري في أفغانستان في ضوء التغيير المعاكس لإستراتيجية الحرب ضد طالبان».
فهم كرزاي الرسالة، وفعل الشيء نفسه زرداري باكستان الذي تسلّم رسالة مماثلة.. على خلاف النبرة المناهضة لأمريكا التي استخدمها كل من الدميتين في مناسبات عديدة سابقة حتى لا يظهرا على حقيقتهما في المشاركة بالمجازر ضد شعبيهما..
اجتماع الرئيسين أظهر أنهما نطقا وتصرفا وكأنهما يقرآن نصاً مسرحياً تلقينياً عندما تحدثا بأن «لاهوادة على الإطلاق» في القتال ضد طالبان. لكن من السخرية أن الاختبار المدروس لطاعتهما حصل أثناء الاجتماع: قامت طائرات أمريكية بمجزرة ذهب ضحيتها 147 من الأفغان، على الأقل. ظهر كل من اوباما والرئيس الأفغاني رابطي الجأش أو غير مكترثين.. فبدلاً من إصدار تصريح عاجل يشير إلى المعاناة الإنسانية الضخمة نتيجة هذه المجزرة، فإنهما جددا تعهداتهما باستمرار الحرب، في حين أضافا بشكل مغالط: «بذل كل جهد للتقليل من الإصابات المدنية».
إن التكتيك الاستعماري المجرب فعلياً لترهيب السكان المدنيين وفرض إذعانهم، يشكل حالياً الأسلوب المعتمد في أفغانستان (والعراق)- الصدمة والرعب- النموذج الفيتنامي.
رغم أن اوباما صرّح مراراً وتكراراً بأنه سيحاول «إنهاء» حروب بوش، لكنه في الحقيقة يقوم بتصعيدها.. والمبالغ المذكورة أعلاه دفعت عضو الكونغرس الديمقراطي لين وولسي إلى أن يشرح بوضوح: «أنها ستطيل احتلالنا للعراق لغاية نهاية العام 2011، على الأقل.. وستعزز حضورنا العسكري في أفغانستان إلى فترة غير محددة».
السؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا يتابع اوباما هذه السياسة؟ أحد التفسيرات البسيطة هو أن اوباما يتودد بشكل مفرط من «وول ستريت». لكن المصارف الأمريكية هي مجرد نمط واحد من المؤسسة الاحتكارية التي تنتفع بدرجة كبيرة من هيمنة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط. أن تصبح المصرفي الرئيس للإقليم يوفر فرصاً واعدة لتحقيق أرباح ضخمة.. وهذا يتطابق بوزن مماثل مع شركات إنتاج الأسلحة، وتلك التي تتسلم دفوعات «إعادة إعمار» البلد بعد تدميره.. هذا دون الحاجة إلى ذكر الشركات الكبرى في مجال: النفط، التعدين، الصادرات الأمريكية، الخ.. التي تنتفع بدرجة عظيمة من حصولها على الاحتكار على مستوى الدولة المنكوبة..
إن الخروج عن هذه السياسة يتطلب من الحكومة متابعة سياسات تنفع مباشرة عامة الناس بدلاً من هذه المؤسسات الضخمة ومالكيها القلّة من الأغنياء.. كما أن كسر هيمنة المؤسسة الضخمة على الحياة الاجتماعية يتطلب أن تتحرك الرأسمالية- اقتصاد السوق- على نحو معاكس لمصالحها طالما أن البديل هو المنافسة في السوق العالمي فقط.. وهنا الدافع لهذه المؤسسات الإمبريالية هو مواصلة سياسة عدم إنهاء الحرب أبداً..

■ شاموس كوك
ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد

معلومات إضافية

العدد رقم:
405